ماهيةُ الإنسان في القرآن …” إعداد/أحمد العش 

0

ماهيةُ الإنسان في القرآن …” إعداد/أحمد العش 

 

لا جَرّمَ أنّ الإنسان هو الحلقة الأهم والأعم في سائر الموجودات الأرضية، فقد كُلف بعبادة ربه وسيِق من ربه لإعمار الأرض ومُتع بالخيرات الحسية والمعنوية… 

ولا جرّم كذلك أن عدة قواسم اشترك فيها الإنسان على إطلاقه في التركيب الخِلقي والغريزي، بفضل ما سُخر له من زروع وثمار، وأنعام يأكلها ويركبها، وأنهار يشرب منها ، وبحار يستخرج منها لحماً طرياً وحلية يلبسها… فدل ذلك كله على التكريم الفائق له من ربه ( ولقَد كَرَمنّا بني آدمَ وحملنَاهُم في البَرِ والبَحرِ وفَضَلنَاهُم على كَثيرٍ ممَن خَلقنَا تفضِيلا).. الإسراء 70

ثم إن هذا الإنسان المُكرّم على جميع المخلوقات، والمبسوط له في الجسم على كثير من المخلوقات ، والموفور له في العقل على كل الكائنات، والذي يُشيد ويُطور ويُطّبب ويُعلم ويزرع ويصنع ، يقع بين حقيقتين عجيبتين الضعف والجدل!!!! 

فهو المخلوق الوحيد المنعوت بالضعف في القرآن الكريم ( يُريدُ اللّهَ أن يُخَففَ عنكُم وَخُلق الإنسَانُ ضَعيفاً ) النساء 28 أي أنه أضعف من البعوضة، وكذلك هو المخلوق الوحيد الذي وصف بالجدل ( وكانَ الإنسَانُ أكثرَ شيٍء جَدلا) الكهف 54 …

وبحصاد تنامي الضعف وتناهي الجدل ، أفضت جُل آيات القرآن التي ورد فيها لفظ الإنسان إلى صفاتٍ مرذولةٍ مقبوحة، بين كفرٍ وجهلٍ وظلم وعجلة وقنوط ويأس وخصام وهلع وجزع وطغيان وخسران ….

وقد أحاط القرآن الكريم بهذا الإنسان خُبرا، في نَيفٍ وخمسينٍ موضعاً، كان فيها هذا المخلوق بين خلالٍ ثلاثة ( صفات جبِليةٍ اشترك فيها المؤمن والكافر ، وصفات مكتسبة مرذولة تحتمل المسلم والكافر، وصفات ارتكاسية وانتكاسية للكافر وحده )  

فأما الصفات الجِبليّة التي اشترك فيها الإنسان جميعاً ، فقد جاءت بها هذه الآيات ( لقَد خَلقنَا الإنسانَ في أحسنِ تَقويم ) التين 4 ( لقَد خلقنَا الإنسانَ في كَبَد ) البلد 4 ( الذي أحسَنَ كُل شيءٍ خَلقَهُ وبَدأ خلقَ الإنسَانَ من طِين ) السجدة 7 ( خَلقَ الإنسَانَ من صَلصَالٍ كالفَخَار ) الرحمن 14 ( خَلقَ الإنسَانَ مِن عَلق ) العلق 2 ( هل أتَى على الإنسَان حِينٌ من الدَهرِ لَم يَكُن شَيئاً مذكُورا ) ( إنَا خَلقنَا الإنسَانَ من نُطفةٍ أمشَاجٍ نبتَليهِ فجعلنَاهُ سَميعاً بَصيرَا ) الإنسان 1 و 2 ( ولَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ ونَعلَمُ مَا تُوسوسُ بهِ نفسهُ ونحنُ أقربُ إليهِ مِن حَبلِ الوَريد) ق 16

 

وثمّةَ صفات مكتسبة للكافر ، ومحتملة للمسلم ، ذمها القرآن الكريم بصيغة عمومية الإنسان ، وإن كانت هي في حق الكافر آكد، فقد يراد بها المسلم كذلك كالبخل والقتور ( قُل لَو أنتُم تَملِكُونَ خَزائنَ رَحمَةَ رَبي إذاً لأمسَكتُم خَشيةَ الإنفَاق وكَانَ الإنسَانُ قتُورَا ) الإسراء 100

 والقتور أي البخيل فهذه من صفات الكافر وقد يتردى لها المسلم … 

كذلك قد يشترك الإنسان مؤمناً وكافراً في العجلة والنسيان ( ويَدعُ الإنسَانُ بالشَرِ دعَاءَهُ بالخَيرِ وكَانَ الإنسانُ عجُولَا ) الإسراء 11

( خُلِقَ الإنسَانُ من عَجَلٍ سَأُريكُم آيَاتي فَلَا تَستَعجِلُون ) الأنبياء 37

وقد ينسى الإنسان أو يتناسى مؤمناً كان أو كافراً ( وإذَا مسَ الإنسَانَ ضرٌ دعَا ربهُ مُنيباً إليهِ ثُمَ إذا خَولَهُ نعمةً مِنهُ نَسيَ مَا كَانَ يَدعُو إليهِ مِن قبل ) الزمر 8

وكل الآيات التي فيها وصايا الإنسان بوالديه، تقبل احتمالية السلوك الجِبلي أو المكتسب إيجاباً أو سلباً، فقد يعُق المسلم أبويه، وقد يُرضي الكافر أبويه، وقد يجحد كليهما بالأبوين أيما جحود، فإن أرضى المؤمن أبويه فلنعم، وإن عق أحدهما أو كلاهما فبئس، وإن أرضى الكافر أبويه فلم ينفعه كفره، وفي الحالات الثلاثة تطلق ألفاظ الوصية لعموم الإنسان..  

 

ثم تأتي الصورة الثالثة لوصف الإنسان في القرآن الكريم ، والتي عُني من إشاراتها الضمنية، تخصيص الكافر وحده، والتي تمثل أغلب الآيات التي ذُكر فيها الإنسان… 

فهو كفارٌ وما أكفره وكفورٌ وكفورٌ مبين وكفورا، وفرحٌ فخور، ويئوسٌ قنوط، ولربه كنود، ولربه خصيمٌ مبين، ويفجر ويطغى، وهو في خسر..

فقال أعز من قائل!! 

( وآتَاكُم مِن كُلِ مَا سَألتُموهُ وإن تَعُدُوا نِعمةَ اللّهِ لا تُحصُوهَا إنّ الإنسانَ لظَلُومٌ كَفَار ) إبراهيم 34

( قُتِلَ الإنسَانُ مَا أكفَرَه ) عبس 17

( وهُو الذي أحيَاكُم ثُمَ يُمِيتكُم ثُم يُحييِكُم إنّ الإنسَانَ لكَفُور ) الحج 66

( فَإن أعرَضُوا فَمَا أرسَلنَاكَ عَليهِم حَفيظاً ، إن عَليكَ إلا البَلاغ وإنَا إذَا أذقنَا الإنسانَ منَا رحمةً فَرحَ بهَا وإن تُصبهُم سيئةٌ بمَا قَدَمَت أيدِيهم فإنّ الإنسَانَ كَفُورٌ ) الشورى 48

( ولئن أذقنَا الإنسانَ منَا رحمةً ثُمَ نَزَعنَاهَا منهُ إنهُ ليئُوسٌ كَفُور ) ( وَلئِن أذقنَاهُ نَعماءَ بعد ضَراءَ مستهُ ليقُولنَ ذهبَ السَيئاتُ عني إنهُ لفَرحٌ فَخُور ) هود 9 و 10

( وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين) الزخرف 15

( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما أنجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) الإسراء 67

( خّلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) النحل 4

( أولم ير الإنسانُ أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) يس 77

( وإذا مس الإنسان الضرُ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍ مسه كذلك زُين للمسرفين ما كانوا يعملون) يونس 12

( وإذا أنعمنا على الإنسانِ أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشرُ كان يئوسا) الإسراء 83

( لا يسأمُ الإنسانُ من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط) فصلت 49

( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) فصلت 51

( ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا) مريم 66

( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) الكهف 54

( أيحسبُ الإنسان ألن نجمع عظامه) القيامة

( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) القيامة 3 و 4

( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) الإنفطار 6

( وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنىّ له الذكرى) الفجر 23 

( إن الإنسان خلق هلوعا) ( إذا مسه الشر جزوعا ) ( وإذا مسه الخير منوعا) كل ذلك في شأن الكافر ثم يأتي الاستثناء للمؤمن ( إلا المصلين) المعارج 19 و 20 و 21

والإنسان على إطلاقه خُلق في أحسن تقويم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين 4

لكن الكافر هو المردود لأسفل سافلين ( ثم رددناه أسفل سافلين) ثم يأتي الاستثناء للمؤمنين ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجرٌ غيرُ ممنون) 

وما للإنسان المؤمن أن يكون في خُسر ، فاللفظ هنا يعني الكافر ( إن الإنسان لفي خسر) ثم يقع الاستثناء على المؤمنين ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )

وحاصل ثُلث الآيات التي ذكر فيها الإنسان في القرآن الكريم ، تصفه بالضعف والوهن الشديدين، سواء في مراحل تكوينه من نطفة أمشاج أو من صلصالٍ من حمإ مسنون ، أو عند بلوغه أوج قوته فهو أضعف من البعوضة ، رغماً عنه… وراجعوا التاريخ وقصة النمرود… 

وثُلثي الآيات الأخرى التي تتحدث عن الإنسان ، كان فيها كفور.. كفورا.. كفور مبين.. كفار… ظلوم… جهول… يئوس… يئوس قنوط… يئوس كفور… فرح فخور.. خصيم مبين… يطغى.. يفجر.. هلوع… جزوع… قتور… للخير منوع .. لربه كنود… مجادلٌ في آيات الله…. مجادلٌ منكر للبعث والنشور….. 

وما ذكر لفظ الإنسان في القرآن صريحاً ، متبوعاً بصفات الخير والصلاح ، كالإيمان أو الإحسان أو التقوى… 

والأوجز من كل ما سبق أنه أضعف مخلوق.. وأكثر مخلوق مجادل في هذا الوجود ، على امتداد خط الزمن ، جدلٌ عقلي وجدلٌ ظني وجدلٌ نصي تحريفي ( وإن تُطِع أكثَرُ مَن في الأَرض يُضِلُوكَ عَن سَبيلِ اللّهِ إن يَتَبعُونَ إلا الظَنَ وإن هُم إلا يَخرُصُون) الأنعام 118

( ولقد صرّفنَا للنَاسِ في هَذا القُرآنِ من كُل مثلٍ فَأبَى أكثرُ النَاسِ إلا كُفُورا ) الإسراء 89

( ولقَد صَرفنَاهُ بَينهُم ليَذَكَرُوا فأبَى أكثرُ النَاسِ إلا كُفُورا ) الفرقان 50

عجيبٌ لك أيها الإنسان فأنت الضعيف والمجادل بأقبح لسان……..

Leave A Reply

Your email address will not be published.