“نداء الروح” بقلم:مريم عبد الجواد

“نداء الروح”

بقلم:مريم عبد الجواد

“نداء الروح”
كان أدريان عائدا الى شقّته بعد يوم منهِكٍ في العمل حينما اختلجته رغبة جامحة في أن يحيد عن طريق المنزل مغيّرا وجهته و يمضي هاربا من كلّ شيء حتى عقله الّذي ما انفكّ يقيّده و يرغمه على اتّباع منهج قديم مستهلك كان قد سلكه جميع قطيع عائلته.

عاوده احساس قويّ بأنّ هذا الطّريق المكرّر يجثم بكلّ ثقله على جسده و يطمس رؤيته للعالم..

لوهلة توقّف قليلا في رغبة منه لأن ينصت لهمسات الكون فسرّه مشهد الأشجار الشاهقة و هي تلامس زرقة السّماء في مشهد ساحر أذاب فؤاده. و سرعانما اجتاحه شعور غامر بالاختناق حينما تذكر مبنى العمارة في ذلك الشّارع المكتظّ الّذي سكنه بناء على عُرف المجتمع و اختار جدرانه سجنًا لروحه و هو الشّابّ الّذي لم يتّم بعد ربيعه الثلاثين.

خطى خطوة للأمام و كأنّه يرجع قدمه الى الأرض بعد رحلة في عالم أفكاره الغريبة فانتبه الى رذاذ المطر يداعب وجهه كدعوة صامتة نحو مجهول ما و كأنّما هذا الجوّ الجميل و ما يخلّفه في النفس من سكينة و رغبة صارخة في التّماهي مع الطّبيعة ينفصل لوهلة عن الواقع ليكون لوحة فنّيّة قائمة بذاتها شُيّدت على خراب هذا العالم
انّها لمفارقة حزينة أن يكون الكون بهذا الجمال السّاحر ليقابله الانسان بهذا الكمّ الهائل من التّعاسة
كانت قطرات المطر تبلّله حتّى يوشك على الغرق و هو يقف جامدا في مكانه يصارع كي لا يغرق رغم أنّ الماء لا يتجاوز حذاءه

أيّ غرق هذا الّذي يرجعه خائبًا من على عتبات الحنين لشيء بعيد، شيء غامض يجاهد كي لا يتّضح بداخله
انّه غرق جافّ يعبث به و يبعث فيه شيئًا من الأسى ثمّ يغمره قبل أن يلامس روحه.
كان حزينًا لكنّه لا يتألّم لذلك.
شيء ما يدفعه ليتساءل:” لماذا تضطرّنا الأيّام أن نتجاهل خوفنا و نسير فوق جراحنا دون أن نتوقّف لنشعر بها؟”
بدا له و كأنّ الانسان قد خُلق ليكتم انسانيّته و يستهجن بوحشيّة ضعفه كآثم يحاول بيأس أن يحيد عن الخطيئة.
هو لا يحلم بالمستحيل..

فقط يودّ أن ينجو بنفسه من الغرق

أن يصرخ بوجه العالم:
“ما فائدة أن يُدفئ المرء الجميع و داخله يرتجف؟”

ألقى نظرة أخيرة طوّق بها المكان و كأنّه يحتضن العالم بعينيه المتعبتين وفجأة لمع بعينه عزمُ من حطّت نفسه أخيرًا على أرض القرار..