عِلم السلوك وإرتباطه بالإنسان،،،

عِلم السلوك وإرتباطه بالإنسان،،،

0
عِلم السلوك وإرتباطه بالإنسان،،،
بقلم: أ.د. خالد عبدالقادر منصور التومي،
السلوك .. أسلوب أو طريقة تحكم تصرفات البشر والكائنات الحية الأخرى، يستخدم العديد من العامة كلمة سلوك بقصد التصرف، ويُعنى بذلك كيفية تُناسب تصرفات الإنسان مع أفكار المجتمع فيما يتعلق بالخطأ والصواب، ولكن في علم النفس والعلوم السلوكيّة الأخرى، يُعتبر السلوك كأي نشاط للإنسان أو لكائن آخر، وتعكس هذه المقالة الإستخدام الأكثر عمومية وتُركز على سلوك الإنسان كعلم ضمن العلوم الإنسانية.
كما تناول علماء النفس والتربية والاجتماع والاقتصاد والتاريخ مُطولًا سلوك الإنسان، إلا أن كل علم من هذه العلوم إتخذ منهجًا مُختلفًا في دراسة هذا الإنسان سلوكيًا، وأما حديثًا أصبح السلوك الإنساني محورًا رئيسًا لتلك العلوم السالف ذكرها آنفًا، وحتى أنه أُلحق بالعلوم السياسية (علم النفس السياسي)، في مُحاولةً لفهم هذا السلوك والحصول على آليةً منهجيةً لتفسيره، حتى يتسنى لهم التبؤ به بوغية التحكم فيه بأي ولأي غرض كان؛ سواءً أكان في التوجيه أو التقويم أو الإرشاد أو التصويب أو التُصح.
إذ أن علم السلوك عنصرًا أساسيًا ضمن مجموعة عناصر تُأسس لعلم النفس، بيد أن علم النفس لا يُناقش العقل أو الأفكار أو المشاعر في حد ذاتها، وإنما تجد أن السلوك وحده هو موضوعه الرئيس (التصرفات الظاهرة، الحركات الجسدية، الإشارات الحسية) لأن هذه الثلاثية هي ما يُمكن ملاجظتها ومن ثم دراستها ومعالجتها، وبما أن السلوك هو: الأفعال والتصرفات والإشارات وأوجه النشاط الصادرة عن الإنسان في مواقف الحياة المتنوعة، لهذا يُمثل مجموعة الاستجابات الصادرة عنه كرد فعل لمواقف مُعينة.
جوانب عِلم السلوك:
أولاً: التصرفات العقلية المعرفية؛ مثل الذكاء والابتكار، وهو يُمثل السلوك الإرادي الصادر عن الفرد غالبًا.
ثانيًا: التصرفات الحركية؛ تُمثل هنا جميع التصرفات الصادرة عن الإنسان والمتضمنة لأنشطة حركية سواءً أكان هذا النشاط في صورة مهارات حركية أو عادات حركية سيئةً كانت أم حميدة، بسيطة مخفية أو قوية ظاهرة.
ثالثًا: التصرفات الإنفعالية؛ تُمثل الإنفعال الوجداني الصادر عن الإنسان، كحالات الفرح والغضب والحزن والبُكاء والضحك والحب والكُره، علاوةً على الميول السوي أو السيئ والإتجاهات والتوجهات والقيم، تلك القيم المُحركة بشكل رئيس لسلوك الإنسان،
ولنا في ديننا الحنيف الإسلام خير دليل على القيم السمحا.
خصائص عِلم السلوك:
المعروف عن السلوك أنه جمع كُلي مُركب، وهنا تكمن العلاقة بين التصرفات العقلية المعرفية والتصرفات الحركية والتصرفات الإنفعالية كعلاقة اعتماد مُتبادل، وتلك العلاقة التبادلية والاعتمادية بين جوانب السلوك تُكسب ذاك السلوك عدة خصائص، وأبرزها التالي سرده تباعًا:
1. يهدف السلوك إلى إشباع جاجة الإنسان، كأن يتجه لتناول الطعام لإشباع حاجة الجوع، ومسألة الإشباع هنا تختلف من إنسان لأخر، بمعنى أن يُشبع حاجته عبر مسلك حلال أو يُشبعها عبر مسلك حرام، وهنا يتبين الإلتزام بالقيم.
2. السلوك قابل للتعديل والتغيير، وهذا ما تقوم به التربية السوية، وعملية التنشئة الاجتماعية المنضبطة القويمة.
3. يتميز السلوك بالمُرونة إلى حدٍ بعيد، وهي الخيط الخفي الفاصل بين الحرية والتحرر والإنحلال أو الحلال والحرام أو الصواب والخطأ أو الهُدى والضلال؛ ففي ضوء خبرات الإنسان وفي ضوء معلوماته وقدراته ومهاراته المُكتسبة، يُمكن للإنسان أن يسلك سلوكيات مُختلفة تبعًا لتنوع المواقف بناءًا على قيمه الحقيقية.
4. للسلوك مُحددات وراثية وأخرى بيئية، فالإنسان يرث عن والديّه بعض أنماطٍ من السلوك، وأيضًا يكتسب من البيئة المُحيطة به (بائع المسك أو نافخ الكير، إما أن يهدونه الصواب أو يُلقون به في تهلكة)، وعلى تبعية البيئة المُحيطة به تتشكل حاجاته في نفس الوقت.
5. يتسم السلوك بأنه تواقفي، أي أن الإنسان يسعى دائمًا لحل مُشكلاته والوصول إلى حالة من التوافق النفسي، وبذلك تجده يسلك سلوكًا مُعينًا بحسب ما أتصل به من البيئة المُحيطة به (الفقرة 4).
6. يتسم السلوك بأنه مُحصلة فعل ورد فعل، مثال ذلك؛ الطفل الذي لسعته النار؛ فلا يضع يده فيها مرةً ثانية، بل يعمل على تجنب الألم بصور عديدة، وكذا المثل يقع على البالغ الراشد حين يضع نفسه بسوء فعله في تهلكة؛ يرجع أم يُصر عليها، هنا مرده للبيئة المُحيطة به.
العوامل المؤثرة في عِلم السلوك:
عادةً ما يُحدد السلوك الإنساني جُزئيًا بالوراثة، ومن ناحية أخرى يرتبط بالبيئة المُحيطة،
هذا بلإضافة إلى أنه يُمكن تغيير أيًا منهما (الوراثة أو البيئة) من خلال التعلم والمعرفة، ونُلقي نظرةً سريعة على كُل منهُم على حِدَّة:
أولاً: العامل الوراتي .. يُحدد هذا العامل عبر الجينات (المورثات)، وهي أجزاء صغيرة من تراكيب خلوية تُسمى الكُرُموُزُومَات (الصبغيات) تنتقل من الأباء والأمهات إلى ألأبناء (ذكورًا وإنات)، وتحتوي المورثات على تراكيب كيميائية تُعطي الأبن أو الأبنة نزعةً نحو خواص سلوكية وعضوية مُعينة، ومن الصعوبة بمكان تحديد المدى الذي يُؤثر فيه سلوكيًا، بمعنى أن تتضافر الثأثيرات الوراتية في التطور السلوكي للإنسان، ويتفق جُل العلماء أن المورثات لها تأثير على كامل النسل أو بعضه أحيانًا (أي يحظى بها طفل دون أخر أو بفارق في مستوى تناقل المورثات) كـ الذكاء والحكمة والعلم والكفاءة والاستعداد والجدارة الخاصة بسعي الإنسان في التطور الإيجابي، وأيضًا لها أن تكون في التدهور السلبي، مع العلم أن العامل الوراثي ليس بالضرورة أن يكون وحده المؤثر الرئيس في شخصية الإنسان، بل لها أن تتحد أو أن تتأثر بأخريات كـ (البيئة والتعلم).
ثانيًا: العامل البيئي .. وهو مجموعة الظروف أو الأفراد أو الأسرة التي تؤثر سلبًا أو إيجابًا في هذا الإنسان، ويُمكن للبيئة المحيطة (الأفراد – العائلة – المُحيط الوظيفي) أن تُحدث سلوكًا مُعينًا، كالبيئات غير المألفوفة على سبيل المثال، التي ربما أن تُثير فضولاً أو خوفًا استنادًا إلى الظروف المُحيطة والمُلابسات والتي تعتمد بشكلٍ رئيس على صحيح وحقيقة قيم هذا الإنسان؛ فيؤدي المستوى الطبيعي للإثارة بالنسبة للبيئة المحيطة (الأفراد – العائلة – المُحيط الوظيفي) إلى الحصول على أكثر التأثيرات إيجابية على السلوك، وأما المستوى الغير طبيعي (الشاذ: دينيًا – أخلاقيًا – اجتماعيًا – إلخ….) تؤدي إلى الحصول على التأثيرات السلبية والتي من الممكن أن تكون لها عواقب وخيمة.
ثالثًا: عامل التعلم والمعرفة .. عملية (تربوية – تعلمية) يتغير من خلالها السلوك من السيئ إلى الأفضل، والإرتقاء بهذا الإنسان نتيجة للتجربة والممارسة، بمعنى أن يتعلم الإنسان ضروبًا مُختلفة من السلوك عبر البيئات التي توضح أمثلة السلوك الجيد والمتزن وتوفر التوجيه السليم القويم، وتُطبق قاعدة الثواب والعقاب عبر مسارات حصلت لمواقف سابقة كشواهد عملية، ويحدث التعلم بصورة ثابتة لأن العامة من الناس دائمًا ما يواجهون مُشكلات جديدة يبحثون لها عن حلول، ومن خلال هذه الحلول تكون بمثابة دروس مُستفادة لتعلم أساليب جديد في حياة كل إنسان، هنا نتحدث عن الإنسان السوي الطبيعي الذي يخلوا من أي شائبة شذوذ أو زيغ أو إنزلاق.
عِلم السلوك في الإسلام:
حرص الإسلام من خلال منظومته الأخلاقية على بناء شخصية المُسلم والمُسلمة على قيم وأخلاقيات رفيعة حتى تستقيم حياته، ويؤدي رسالته في الحياة، ويُسهم بفاعلية في بناء ونهضة مُجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية عملاً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذ أن الإسلام في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راقٍ ومتحضر، وسما بأخلاق كل المُسلمين صغارًا وكبارًا فوق كل الصغائر، ورسم للإنسان حياة راقية تُغلفها كل المعاني الإنسانية، بيد أن قيم الإسلام توفر سياج حماية للإنسان لكي يعيش آمنًا مُستقرًا في أسرته ومنها إلى مجتمعه، ولذلك فإن ما نُعانيه في بلادنا العربية من تراجع حضاري يصفه البعض بالتخلف يرجع إلى غياب قيم وأخلاقيات الإسلام عمومًا وغياب قيمة الحياء على وجه الخصوص، فالحياء يمنع الإنسان من فعل أي شيء لا يتفق مع الأخلاق الكريمة والسلوك الحميد، ولذلك كانت عناية الإسلام بخُلق الحياء حيث جعله جزءًا لا يتجزأ من الإيمان، حيث ورد في الحديث النبوي “إن لكل دين خُلقًا وخُلق الإسلام الحياء”.
واهتمام الإسلام بالجانب الأخلاقي والسلوكي صنع حضارة إسلامية مُتميزة نشرت السلوك الأخلاقي الراقي بين أمم الأرض، ومِما لا شك فيه أن المُسلمين المُنبهرين بالسلوك الحضاري عند الغربيين، والذين يرون أن هذا السلوك هو السوي والعصري، لم يقفوا على المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وتأثروا حتمًا بما يرونه يوميًا من “سوء الأخلاق” في شوارع العديد من البلاد العربية والإسلامية، وأنجرفوا ورائها لأن قلوبهم جوفاء وعروشها خاويه، ورأو أن السلوك المتحضر في اتباع الهوى والنفس والشيطان، إذ ممكن لأي مُسلم مؤمن أن يتمتع بكافة مناح الحياة ولا يُخالف شرعًا، أي بأطر سليمةً قويمة لا علة ولا خلل فيها.
ختامًا ..
السلوك مع التطور (معنًا ومضمونًا) .. لا يُعنى بالمنشآت والاختراعات والمنجزات العلمية والمنافع الاقتصادية إلا بعد أن يرتقي بسلوك الإنسان أولاً، وبه ومنه تخلق مُجتمعًا مُتماسكًا يتعاون أفراده في تحقيق رغباتهم ومُبتغاهم عبر أُطر سويةً قويمةً لا تُخالف مألوف ولا تخرج عن شرع ولا تُخالف قانونًا.
وهنا ينبغي أن يكون للإنسان دور إصلاحي لنفسه أولاً، ولا يُلقى بالتبعة على الآخرين؛ فالإنسان العاجز عن إصلاح نفسه سلوكيًا هو أكثر الناس عجزًا عن إصلاح نفوس الآخرين والتأثير فيهم، ودائمًا يؤكد لنا علماء النفس أن للنفس البشرية دوافعها في السلوك وتأثيرها في الكيان الخارجي، ولها وساوسها المتحركة وهواجسها الشائكة التي تدفع إلى الانحراف والسوء والفحشاء والمنكر، إذ ورد في القرآن الكريم: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي
(يوسف – 53).
Leave A Reply

Your email address will not be published.