التَّخْبِيبُ بَيْنٌ الشَّرِيعةُ وَالقَانُوُنْ،،،

0

التَّخْبِيبُ بَيْنٌ الشَّرِيعةُ وَالقَانُوُنْ،،،

 

بقلم: أ.د. خالد عبدالقادر منصور التومي،

 

التخبيب:

مُصطلح نَدر تداول ذكرهُ في المجتمعات المُسلمة؛ حيث قد يكون مُصطلح غير مفهوم بالنسبة للبعض، أو أنه مفهوم ولكن غير معلومةً أبعادهُ وخطورته، وهو أمر متعلق بالحياة الزوجية من حيث علاقة كُلاً من الزوج والزوجة وما يربطهُما من رباط مقدس وهو الزواج، والذي يُعد من أهم العلاقات الإنسانية السامية على الإطلاق، أو تخبيب عاملاً على سيده، وأفسده بأي نوعٍ من أنواع الإفساد؛ كأن يُزين له الإباق أو يُهيجه على سوء معاملته أو أيًا من أنواع إيقاع العداوة بينهما، أو حتى بين الأصدقاء والأقارب، والتي وردت أهميتها في الكتاب والسنة.

 

المعنى الاصطلاحي:

الإِفْسادُ والخِداعُ، والخِبُّ: الرَّجُلُ الخَدّاعُ، يُقالُ: خبَّبَ الشَّخصُ الشَّخصَ، أيْ: خَدَعَهُ، وأَفْسَدَهُ، وغَرَّرَ بِهِ، ويأْتي التَّخْبيبُ بِمَعنى الغِشِّ والتَّهْييجِ والإِسْراعِ

 

المعنى اللغوي:

المصدر (خبب) ومعناه إفساد الرجل لأمةً أو عبدًا مملوك لغيره، أو إفساد صديق لصديقه، حيث يُقال: خببها فأفسدها، كما يُقال: فلان خبب غلامي، أي: أفسده عليّ وخدعه، بينما الخُب؛ فيعني الخبث والفساد والغش وخلافه (الغر) الذي يعني من لا يفطن الشر ولا يقدر على القيام به.

 

وأما عن التعريف الشائع؛ للتخبيب فينصرف إلى إفساد العلاقة الزوجية بين الزوجين بحيث يقوم شخص بقلب الزوجة على زوجها، وفي مثال آخر تحريض العامل على سيده وقلبه ضده، حيث يتم قلب المرأة على زوجها من خلال تودد أجنبي لها وتقربه منها لكي يطلقها من ذلك الزوج ويتزوجها هو.

 

ولا يتوقف التخبيب في الحياة الزوجية على الرجل الأجنبي فقط، بل يمكن أن يقوم به أهل المرأة (الزوجة) فيخببونها على زوجها ويسعون إلى إفساد علاقتهما، وهو ما قد يرجع إلى أسباب مختلفة وعديدة تختلف من حالة إلى حالة أخرى، فقد أصبح يُمثل آفة تهدد استقرار الأُسر بشكل كبير، وبالتالي فإنها تؤثر سلبًا على استقرار المجتمعات.

 

إطلاقات المصطلح:

جذر الكلمة (خبب)؛ يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (تخْبِيب) في كِتابِ الشَّهادةِ عند الكَلامِ على حُكْمِ قَبولِ شَهادَةِ الصِّغارِ إذا دَخَلَ بَيْنَهُم شَخْصٌ كَبيرٌ يُمْكِنُهُ تَلْقِينُهُم الشَّهادَةَ على غَيْرِ وَجْهِها؛ بغرض إثبات وإظهار ضررًا في أصله زورًا. ويُطْلَقُ أيضاً في كِتابِ العِتْقِ، ويُرادُ بِهِ: إِفْسادُ العَبْدِ على سَيِّدِهِ.

 

الشرح المختصر:

هو سَعْيُ الرَّجُلِ أوالمرأةِ لإفْسادِ الـزوجةِ على زَوْجِها، وذلك بِأَنْ يُزَيِّنَ لها كَراهَةَ زَوْجِها، والخُروجَ عن طاعَتِهِ حتّى تُفارِقَهُ أو تبقى معه ناشزًا، ثُمَّ قد يَتَزَوَّجَها ذلك الرَّجُلُ المُفْسِدُ، أي المُفسد.

 

التخبيب في القرآن:

يُطابق المعنى الاصطلاحي الوارد في الشرع للمعنى الذي ورد في اللغة والمعاجم اللغوية عن التخبيب؛ فهو مُصطلح يشمل لمعاني الغش والخداع والفساد، ولكن إفساد المرأة على زوجها يُعد من أشر أنواع التخبيب في الدين والمجتمع، إذ يترتب عن القيام بها من عقوبة يوقعها الله تعالى على من يفعلها والتي تم وصفها بأن من يقوم بها هم مثلهم مثل السحرة واتباع للشيطان؛ استنادًا إلى قول الله سبحانه: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (البقرة – 102).

 

التخبيب في السنة:

لقُدسية هذه العلاقة السامية (الزواج) يرجع إلى مدى الاهتمام بالزواج الذي يُمثل أساس المجتمع وركيزته الكُبرى، وقد ورد الدليل على ذلك في كتاب الله الكريم حينما قال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم – 21)،

 

وإذا كان الله تعالى قد من علينا من الحلال بما فيه الكفاية، فما حاجتنا إلى سُبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها، إذ ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ (رواه أبو داود 2175 وصححه الألباني في صحيح أبي داود)، وفي صيغةً أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا (رواه أبو داود 5170)

 

قال الشيخ عبد العظيم آبادي مُفسرًا: مَن خبَّب (بتشديد الباء الأولى، أي: خدع وأفسد)، إمرأةً على زوجها: بأن يذكر مساوئ الزوج عند إمرأته، أو محاسن أجنبي عندها. وقال أيضًا: مَنْ خَبَّب زوجة إمرئ: أي خدعها وأفسدها أو حَسَنَ إليها الطلاق ليتزوجها أو يُزوجها لغيره أو غير ذلك.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المُسند: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا من خبب إمرأة على زوجها أو عبدًا على مواليه؛ فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو بفعله كفعل السحرة، وهو أعظم من فعل الشياطين، لا سيما إذا كان يُخببها على زوجها ليتزوجها هو، مع إصراره على الخلوة بها، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك، فهو وهي ليس من الإسلام من شيئ، بل خرج منه بفعل الشياطين. ولا يسقط حق الزوج بتوبة المُخبب والمُخبب بها من الفاحشة؛ فإن التوبة وإن أسقطت حق الله؛ فحق الزوج باقٍ له المطالبة به يوم القيامة، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد زوجته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه، فيا له من ظلم (التخبيب) أعظم إثمًا من فعل الفاحشة ذاتها. ذلك لأن المُخبب والمخُبب بها أتايا أمرًا عظيمًا حين اتفقا في تواصلهما خلسةً في هدم أسرة، والزوجة أتت أمرًا عظيمًا حين تعلقت بغير زوجها وذاك ذنب أخر يُضاف إلى الأول، حتى طلبت منه الطلاق، فخربت بيتها بيدها وأفسدت حياة زوجًا وأولاد ليس لهم أي ذنب في خبثها، إذ سألت ما لا يحل لها، والدليل فيما ورد عن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا إمرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ (رواه الترمذي 1187، وأبو داود 2226، وابن ماجه 2055، وصححه الألباني في صحيح أبي داود).

 

حُكم التخبيب شرعًا:

عقوبة الزوجة المخبب لها: ورد في القرآن الكريم حول الزوجة التي خبب لها وقد استجابت إلى التخبيب وانقلبت على زوجها بأنها آثمة إثم عظيم، وقد وقعت في كبيرة من الكبائر، حيث قامت بالسماح إلى شخص أجنبي غريب عنها بالتحدث إليها، أو أنها سمحت لأيًا من أهلها بالتخبيب لها على زوجها.

 

عقوبة نكاح المُخبب للمرأة التي خبب لها: يُقصد هنا زواج الرجل الذي قام بإفساد المرأة على زوجها وقلبها عليه بعدما وصلت للطلاق، حيث رأى جمهور الفقهاء فيما عدا المالكية “أنه نكاح صحيح مع وجود إثم التخبيب مع دوام الإثم حتى يلتقيا خصومًا أمام الله”، وأما عن المذهب المالكي: “يرون أن الأصل في زواج المُخبب من المخبب لها باطل شرعًا” لقيامه على أُسس باطلة وهي التخبيب.

 

عقوبة التخبيب لإطراف خارجية: لا يُعد من قبيل الأمور الضرورية أن يقع التخبيب بين الزوج وزوجته حيث قد يقوم بفعله إمرأة، وهو ما يتمثل في الصديقة أو القريبة أو الجارة التي تقوم بإفساد الزوجة على زوجها وهو أثم كبير ومعصية لابد من التوبة عنه وذلك بالعمل الحثيث والمستمر بالإصلاح بين هاذين الزوجين لتكفير ذلك الإثم، وإلا كان الإثم قائمًا ما لم يرجع الزوجين لحياتهم الطبيعية.

 

حُكم التخبيب قانونًا:

فيما يتعلق بحُكم التخبيب قانونًا؛ حقيقةً لم نعثر على أيًا من القوانين التشريعات الخاصة بهذه المسألة في أغلب الدول الإسلامية، أو أنها قد خلت من الطرائق التي تحكم هذه المسألة، إذ حاولنا كثير للتوصل إلى قوانين أو تشريعات ولم نتحصل إلا ما ورد عن ثلاثة دول، وهُم (السعوية، والكويت والأردن)؛ ونذكر هنا ما ورد في تشريعات هذه الدول بشأن التخبيب بالآتي سرده تباعًا:

 

المملكة العربية السعوية: تُرفع دعوى تخبيب، من حق الزوج أن يرفعها على أي شخص يُحرض عليه زوجته، مثل: أصدقائه، أصدقائها، أقربائه، أقربائها أو حتى شقيقتها، حيث أن أي جُملة أو عبارة تؤدي إلى التحريض “التخبيب” تُقام ضدّها دعوى، ويمكن للزوج إثبات دعوى التخبيب بأي وسيلة مثل رسائل الهاتف النقال أو مواقع التواصل الاجتماعي أو شهادة الشهود، والعقوبة سلطتها بيد القاضي إما بالسجن أو بالتعزير.

 

دولة الكويت: إذ وجدنا أن التشريع الكويتي وحده على الأغلب هو من انفرد بتنظيمها؛ حيث قام بوضعها ضمن الحرمات المؤقتة؛ هذا وفقًا لِما جاء في نص المادة (23) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم (51) لسنة (1984م) وجاء نص المادة قائلاً: لا يجوز أن يتزوج الرجل إمرأة أفسدها على زوجها، إلا إذا عادت إلى زوجها الأول ثم طلقها، أو مات عنها.

 

المملكة الأردنية الهاشمية: قانون العقوبات الأردني أفرد نصًا لتلك الجريمة بعاقب من خلاله كل من يُحرض إمرأة سواءً أكان لها زوج أم لم يكن على ترك بيتها، لتلحق برجل غريب عنها أو أفسدها عن زوجها لإخلال الرابطة الزوجية بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

 

ختامًا:

لعلنا نوجه عناية كل من يطلع على هذا المقال تكرمًا؛ أن يوافينا بأي نصوص أو تشريعات قد وردت في ذات الخصوص (التخبيب) في أيًا من الدول الإسلامية، حتى تعم الفائدة وتكتمل المعرفة. وإن كنا نتمنى تدخل السلطات التشريعية في عموم الدول الإسلامية لإضافة مادة قانونية بيّنة ومُحددة لقوانين الجزاء، يُعالج من خلالها بنص صريح مشكلة التخبيب، وتجريم كل الأفعال التي تُرتكب لإفساد الزوجات على أزواجهن والعكس، ويمنحهم صفة تحريك الدعوى الجنائية أو المدنية للضرر، فضلاً عن أنه يردع ويحفظ المجتمع من الانحدار الأخلاقي؛ فكم من العلاقات الزوجية انهار كيانها وقوامها وأصبحت بلا روح بسبب التخبيب، وكم من العلاقات الزوجية التي انتهت بالطلاق بسبب التخبيب، وكم من الأزواج مَنْ نشبت في قلوبهم مشاعر الكره والعداوة بسبب التخبيب، وكم مَنْ عانى من مشاكل الغدر والخيانة بسبب التخبيب، وكل ذلك بسبب إفساد المُخبب على الأزواج وما ينطوي عليه هذا الفعل المُشين والمدموم من إثمٍ عظيم وجُرم كبير في حق الأسرة ومنها حتى تطال المُجتمع بأسره ما لم يوضع لها رادع.

Leave A Reply

Your email address will not be published.