ظُنُونٌ خَاطِئَةْ وَالعَاقِبَةُ لِلحَقّْ بقلم: أ.د. خالد عبدالقادر منصور التومي

ظُنُونٌ خَاطِئَةْ وَالعَاقِبَةُ لِلحَقّْ بقلم: أ.د. خالد عبدالقادر منصور التومي

0

ظُنُونٌ خَاطِئَةْ وَالعَاقِبَةُ لِلحَقّْ بقلم: أ.د. خالد عبدالقادر منصور التومي

 

إذا ثبتت حقيقة الصراع بين الحق والباطل وبناء مسار التاريخ عليها، فجدير بنا أن نثبت حقيقة مترتبة عليها، وهي أن الحق هو المنتصر في النهاية، وأن الباطل وإن حقق انتصارات هنا وهناك، فإنها انتصارات آنية واهية، وليست بانتصارات حقيقية واقعية، إذ يخبرنا القرآن الكريم حول هذه الحقيقة في آيات كثيرة، تُبين أن النصر دومًا في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل، لنجد هذا المعنى في قوله سبحانه: “فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأعراف:118)، وقوله عز وجل: “لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ” (الأنفال:8)، وقوله تعالى: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” (الإسراء:81)، وقوله عز من قائل: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ” (الأنبياء:18)، وقوله سبحانه: “قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ” (سبأ:49)، وأخيرًا وليس آخرًا قوله تعالى: “وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” (الشورى:24)،

إن المُتتبع لآيات القرآن الكريم لا يُعجزه أن يقف على حقيقةً مفادها أن الصراع بين الحق والباطل هو سُنة أقام الله عليها هذه الحياة، وأن الحياة لا يمكن أن يسودها الخير المطلق، بحيث تخلو من الشر، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث لا يكون فيها قائم بالحق،

والآيات التي تؤكد هذه الحقيقة كثيرة لا يسعف المقام بذكرها، لكن نذكر بعضًا منها لإثبات ما نسعى لإثباته من تلك الآيات التي تُقر هذه الحقيقة في قوله تعالى: “كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ” (الرعد:17)، وقوله سبحانه: “وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ” (الإسراء:56)، وقوله عز وجل: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ” (محمد:3)، فهذه الآيات وغيرها ليس بالقليل من شأنها أن تُبين حقيقة مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل، وتصارع بين الخير والشر، ولا تخفى في هذا المقام دلالة تسمية القرآن بـ “الْفُرْقَانَ” (الفرقان:1)؛ هذا لِما فيه من فارق بين الحق والباطل، والهُدى والضلال، ولِما فيه من تفرقة بين نهج السماء ونهج الأرض، وبين تشريع البشر وتشريع رب البشر،

ثم ها هنا أمر جدير بالتنويه، وهو أن بعض ضِعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، فيحسبون أن الله يرضى عن الباطل فيُملي له في غيه، ويقبل بالشر ويرخي له العِنان، أو يحسبون أن الله سبحانه لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل، فيدع للباطل أن يحطم الحق ولا يتدخل لنصرته، أو يحسبون أن هذا الباطل حق، وإلا فلِمَ تركه الله يغلب وينتصر، أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب الحق في المعركة، وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر، ثم يدع المبطلين والمفسدين والفاسقين يتمادون في باطلهم، ويسارعون في إفسادهم، ويلجون في طغيانهم، وهذا كله وَهْم وباطل، وظُن بالله غير الحق، والأمر ليس كذلك .. وها هو ذا سبحانه يحسم الموقف فيقول: “قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ” (سبأ:26)، ويقول أيضًا: “فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (غافر:78).

ختامًا ..
المفيد أن نختم حديثنا هنا بالقول: إن القرآن الكريم أشار إلى سُنَّة أخرى وثيقة الصلة بسُنة الصراع بين الحق والباطل، ألا وهي “سُنة التدافع”، تلك السنة التي تقرر أنه سبحانه لا يُمكِّن للباطل في هذه الحياة ليستعبد الناس، ولا يفسح له المجال ليسخر عباد الله لخدمته وتحقيق مآربه، بل إنه سبحانه يقيم من أهل الحق من يقف في وجه الباطل، ويتصدى له في معاركه كافة، وهذه السُنة هي المُعبَّر عنها بقوله سبحانه: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” (البقرة:251).

Leave A Reply

Your email address will not be published.