“رحلة البحث عن رجل غريب الأطوار” بقلم /خولة أسعد اليزيدي 

0

 “رحلة البحث عن رجل غريب الأطوار” بقلم /خولة أسعد اليزيدي 

 

منذ الرسالة الأولى، أظهرتَ فهمًا عميقًا للمعنى في داخلك. لخّصتَ نفسك بصراحة قائلًا: “أنا رجل غريب الأطوار”، وتركتني أبحث لوحدي عن مواطن غرابتك. زوّدتَ نفسي بشعورٍ خالص يمتد على مدى الزمان، وبدموع كثيرة تكفي سنوات الأسى كلها. كتبتَ قصائد طويلة لا يسكن نبضها، ومضيتَ في صحراء تيهك وحدي، حتى لا أفقد الاتجاه وسط شتات كلماتك التي وضعت بوصلة تدلني في كل مرة إلى لحظة بعثك الأولى.

 

علمتُ بيقينٍ أن رجلاً مثلك يُؤثر في اللغة، يلفظها بعنفوان ويمنح المعنى بكل حرارة. أثناء كتابتي لك، أدركت أن كل قصيدة قد تذبل إلا التي تنمو فوق كفيك. ألتهم الفراشات الملونة في كل حرف يُكتب لك. هل تعلم؟ ليتك تدرك ذلك أيضًا.

 

أخبرتني عن تاريخ وجعك وإنتصارات يديك في وجه القدر، الذي يهددك بالبتر في كل مرة تمسك فيها بقلم وتكتب فصلًا جديدًا من العمر، غير فصل النهاية الحزين. كلما حدثتني، أتحوّل إلى شجرة زيتون تتمنى أن ترمي بعروقها في أرضك الخصبة وتنمو بلا حدود. هل تعلم ذلك أيضًا؟

 

اليوم، وأثناء ترتيبي للأشياء في ذاكرتي، وجدت كلمات سقطت منك وتمسكت بها حواسي بشدة. كلمات قلتها أنت وصدّقتها أنا بكل إرادة. إنك تشبه الفرسان العرب القدامى، ثابتًا وملحمي الوجود. تسير السفن بمشيئتك، تُعطل ساعة الزمن وتدور عقاربها وفقك. إذًا، كيف ترغب في أن أتجاهلك في هذا العمر وأمضي وكأن قلبي لم يُصب؟ كيف يمكن لامرأة مثلي أن تتنازل عن بطل روايتها؟ رجل غريب الأطوار مثلك يعصف بي ويصيبني بالرجفة واللهفة. يدخلني في حالة شعرية حرجة، حتى المعنى يعظم أمامي ويصيبني بشيء من الدهشة. من أين أبدأ؟ إلى أين أنتهي؟ وهل يمكنني حقًا أن أكتبك بكل الهالة السحرية التي تشع من حولك؟ هل تعلم أنت وأطوارك الغريبة وعينيك وجرحك الأبدي وغربة سنواتك الشديدة شيء علق بي ولن تخلّصني اللغة هذه المرة. سأصليك أيها المصلوب في مخيّلتي، كنبيّ نزل من السماء ولن يعود، سأصليك لأن لا شيء يُسعف نزفي سوى يد الإله التي تمتد نحوك ونحوي.

Leave A Reply

Your email address will not be published.