الطبيعة الإنسانية” كتب/ إميل لبيب

0

الطبيعة الإنسانية” كتب/ إميل لبيب

 

يختلف الإنسان عن باقى الكائنات الحية بطبيعة تميزه عن غيره من خلق الله سبحانه وتعالى، أحد أهم هذه المميزات انه الكائن الوحيد المتطور نتيجة لتوثيق خبراته الممتده عبر السنوات ونقلها كعلم تراكمى يعدل بناء على التطور المعرفى والتكنولوجى الذى يسمح بالتعديل على مضمون النظريات العلمية بالحذف والإضافة والتوضيح والتفسير.

 

وبالرغم من تصور الإنسان أنه هو الكائن ذو السلطان المتحكم فى الكون، نجده ضعيف أمام أقل الكائنات وأضعفها بالمقارنة البسيطة التى يظنها البعض، لكن عند التأمل المدقق والنظره الفاحصه نجد ان أقل الميكروبات أو الفيروسات التى لا ترى بالعين المجرده، والتى يمكن قتلها ببساطة عن طريق الماء الساخن وأحد المنظفات، نجد لهذا الكائن البسيط القدرة على إصابة الإنسان بأمراض وعدوى تجعله يرقد ويعجز عن القيام بإعالة نفسه ورعايه حاله، وقد تكون أحدى هذه الكائنات هى القاضية عليه وإنهاء حياته.

 

يحتاج الإنسان لعدد من السنوات لاكتساب المهارات التى تمكنه بالاستقلال الجزئى عن مقدمى الرعاية والمسئولين عن تربيته وتنشئته، تطول او تقصر هذه الفترة بناء على قدرة كل فرد وتمتعه بالمؤهلات التى تسمح لها برعاية نفسه وتدبير أمور حياته، وبالرغم من ظنه انه مستقل وقادر على القيام بما يحتاج نجده يضطر لللجوء للغير فى قضاء بعض المهام والأشغال التى لا يجيد القيام بها، فمن منا يستطيع القيام بكل الاشغال والمهام، فنحتاج للطبيب والمهندس والميكانيكى والسباك، فمن يظن أنه قوى ومستقل وقادر بمفرده يحتاج لمراجعة أفكاره ومعتقداته ليدرك أهمية وضرورة التكافل المجتمعى مهنياً واجتماعياً.

 

واعود مره أخرى لفكرة المقارنة بين الإنسان وباقى الكائنات، ففى الوقت الذى يحتاج الوليد الإنسانى لفترة زمنية تقدر بحوالى سنة ونصف لتتمكن عضلاته واعصابة واجهزة التوازن لديه فى العمل بكفاءه ليستطيع المشى والانتقال بمفرده من مكان لآخر دون سقوط او تعثر، نجد صغير الدجاج ( الكتكوت ) قادر على كسر البيضة بمفرده ويمشى بمفرده معبراً عن وجوده بالصوصوة ويأكل من نفس نوعيه طعام التى يتناولها البالغين من نفس نوعه.

ولكى ننمو أسوياء جسمانياً ونفسياً، وان كنا جميعاً نعانى من عدم السواء، هناك احتياجات يجب ان تسدد بشكل مقنن وبطريقه سليمه وبكميات ونوعيات تتلاءم مع الاحتياجات المختلفة كل فى وقته وبالشكل والإسلوب المناسب حتى يحدث التوزان الذى يحتاجه كل فرد بما يتناسب مع تفرده وتميزه عن الآخرين ليشب صحيحاً نافعاً لنفسه ولغيره.

 

فى مسيرة النمو نحتاج للناضجين، ليهتموا بتسديد الاحتياجات باختلاف أنواعها، الجسدية والنفسية، وتعد الإحتياجات الجسدية أيسرها وأسهلها، فمقدم الرعاية الواعى يستطيع تمييز الأوقات التى يحتاج فيها الطفل للطعام والشراب وتغيير الملابس والإستحمام والتطعيمات اللازم الحصول عليها فى سنوات العمر الأولى للوقاية من الامراض والفيروسات التى قد تسبب إعاقه ومشاكل جسدية، اوغيرها من باقى الأمور التى تساعد الفرد على الإستمرار على قيد الحياة صحيح الجسم معاف من الإمراض والعدوى.

 

الاحتياجات النفسية أصعب فى تسديدها، ببساطه لانها تحتاج للنمو فى بيئة من التعافى والتصالح النفسى الذى يسمح للطفل بالنمو دون تعرض للاساءات على مدار سنى عمره، وبخاصة سنوات عمره الاولى التى يكون فيها الطفل هش نفسياً يحتاج للاحتضان والرعاية والاهتمام المتوازن ليستطيع الحصول على ما يحتاجه نفسياً دون إهمال أو إفراط، فيشب قادر على أن يستقل بنفسه نتيجة للثقه الأساسية التى ولدت لديه الإحساس بالأمان والطمأنينة، مما يسمح له بالإحساس بذاته وتكون صوره ذاتيه ايجابية صحيحة عن نفسه.

 

الصورة الذاتية الايجابية تدفعه لإثبات نفسه وإظهار قدراته فى مواجهه تحديات كل مرحله عمرية يمر بها، دون أن يشعر بالضغط او التهديد فيأخذ الأمور بسلاسه وثقه ان هناك من يدعمه ويشجعه ويحبه بدون شروط مرتبطة بالاداء المطلوب منه.

 

تسديد الاحتياجات النفسية يتم من خلال المحيطين بالطفل منذ ولادته وحتى إكتمال باقى حياته مهما كبر وزاد عمره، فى الطفولة والمراهقه تكون اسرة المنشأ هى الأساس، ويمتد التأثيرالايجابى والسلبى، لباقى علاقات الفرد كما كبر وتعدد أنشطته الاجتماعية وعلاقاته مع الآخرين.

 

هذا أن نشأة الطفل فى بيئة متعافية نفسياً تساهم فى تنشئته سوى نفسيا، وتزيل أثر الإساءات التى قد يتعرض لها من خارجها، لا نضمن ان يكون كل من يتعامل معهم الطفل فى المجتمع اسوياء نفسياً.

والحقيقة التى يجب أن نعترف بها جميعاً 

لسنا اسوياء كل الوقت، ولا فى كل المواقف، ولا مع جميع الناس.

 

ونتيجة عدم هذا السواء نجد أننا ببساطه مولودين لآباء مساء اليهم، اساءوا الينا بدون قصد، ونكرر نحن تصدير هذه الإساءات لابناءنا وللغير دون قصد منا ايضاً، هذا فى حاله الاشخاص الطبيعيين، أما فى حالات اضطرابات الشخصية، وبخاصة اضطراب معاداة المجتمع نجد هنا الاساءه والايذاء متأصل فى ذات المضطرب لمجرد الايذاء بغير قصد لتحقيق هدف معين الا إشباع رغباته المريضه.

 

نحن مرضى لآباء مرضى فى مجتمع مريض، ومن يحاول الخروج عن هذا النسق ينبذ ويقصى حتى يمرض.

 

يقول إريك فروم الفيلسوف وعالم النفس الامريكى من أصل المانى ( ١٩٠٠ – ١٩٨٠ )

” إن الإنسان السوي لا يتكيف مع المجتمع المريض .. والمجتمع المريض لا يتسامح مع الإنسان السوي..مما يؤدي إلى إمراضه نفسيا”.

 

لسنا أسوياء الا من رحمه ربى واستطاع ان يدرك ان طبيعته الإنسانية تحتاج لإعاده ضبط للرجوع للصورة الحقيقية، للذات الحقيقية التى جبلها الخالق سبحانه قبل أن يتكبر الإنسان ويسقط نتيجة لشعوره غير الصحى بذاته، فجعله يفقد ماجبل عليهن ويضطر للعيش بصورة غير حقيقية، وذات مزيفه ليستمر على قيد الحياة محاولاً التكيف والتأقلم مع أمور اعاقت سير الحياة بشكل متزن ومتوازن.

 

الذات نوعين واحده حقيقية تقبل وتسامح وتشارك وتتزن وتعترف بأهمية الآخر ودوره من منطلق إدراكها لنقاط قوتها وماتحتاج له من دعم فى مواطن الضعف وقله الحيلة نتيجة القصور الطبيعى لها كمخلوق لا خالق.

والثانية مزيفه ترفض الإنصياع وتتكبر وتطمع وتحاول فرط سيطرتها وتتحكم لتدارى ضعفها وقله حيلتها، فتسعى لتهمش الأدوار والتقليل من دور الآخر وقدرته وإمكانياته التى قد يظهرها بالشكل الذى تظن فيه انها غير قادره على إدارة كل الأمور، وهى حقيقة تحاول انكارها، فلا يوجد أى مخلوق قادر على ان يعرف كل شئ طول الوقت ويستطيع القيام به بأحسن كفاءه.

 

 تعافى الطبيعة الإنسانية يحتاج التواضع والاقرار بالضعف والاحتياج

Leave A Reply

Your email address will not be published.