قراءة في مسلسل الحشاشين ..

قراءة في مسلسل الحشاشين ..

0

قراءة في مسلسل الحشاشين ..

بقلم. طارق فريد

 

أكثر الفرق دموية في التاريخ الإسلامي..

تابعت مسلسل الحشاشين وبعيدا عن المضمون والرسالة التي يحملها المسلسل فقد أبهرني حرفية العمل في التصوير والأداء والاخراج ولحد اختيار الكومبارس وقد شبهته بمسلسلات الدراما التركية التي تبهرك مشاهدها فالتمثيل كان قمة في روعة الأداء خاصة كريم عبد العزيز و فتحي عبد الوهاب في شخصية نظام الملك وشخصية صهبان البلان التي قام بتشخيصها الفنان محمد يوسف ، العمل بلا شك يعد خطوة غير مسبوقة في الاعمال الدرامية المصرية، واتمنى تكرارها في اعمال تاريخية اخري تكون اكثر اهمية للشأن المصري والعربي ، لكن ما أحزنني الصورة الهشة التي ظهر عليها عالم كبير مثل عمر الخيام فقد أظهره المسلسل عاجزا وسطحيا رغم عمق فلسفته متجاهلا انه كان شاعرا وعالما في الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ، فهو اول من اخترع طريقة حساب المثلثات والمعادلات الجبرية .

 

ربما جاء ذلك لتركيز العمل علي علاقته بحسن الصباح لكن الأهم ان المسلسل يحمل في طياته رسالة تحذيرية لنا عن الذين يسخرون الدين لخدمة اهدافهم بطرق دموية وفقا لشريعتهم لكنه بالغ في اثرها وزاد من حجم الاسقاط و الخرافة وتعامل معها كمذهب وعقيدة رغم انها لم تكن علي الاطلاق مؤثرة في بلد بحجم مصر لم ينجح فيه التشيع قبل ان يقضي صلاح الدين علي الفاطميين في مصر فبالتأكيد كان الاثر ضئيلا لا يقارن بأقاليم الشيعة في ايران والعراق،

 

واللافت ايضا ان فكرة الخروج علي الدولة والخلافة واراقة الدماء تعود الي ماقبل ظهور الحشاشين الي الدولة الاموية ومن بعدها الخلافة العباسية حين ظهرت الفرقة الاسماعيلية علي مسرح التاريخ بعد وفاة الامام جعفر الصادق عام 148 من العام الهجري لتخلق حركة شيعية منظمة ومناوئة للحكم العباسي باعتباره مغتصبا للحق الشرعي للأسرة العلوية في زعامة العالم الاسلامي، ومع بداية القرن الثالث الهجري كانت الحركة قد نجحت في العراق وفارس واليمن وشرق الجزيرة العربية حين دعت الي امامة المهدي الاسماعيلي الذي سيخلصهم من ظلم العباسيين وتوج انتصار الشيعة الاسماعيلية باقامة الخلافة الفاطمية عام 297هجرية في بلاد المغرب قبل ان تنتقل الي مصر عام 358 لتصبح مركزا لنشر المذهب الشيعي في الشرق ..

انقسام الإسماعيلية.

 

في العام 450 هجرية انقلب القائد العسكري أبو الحارث أرسلان البساسيري على الدولة العباسية، وهرب الخليفة العباسي القائم بأمر الله وأصبحت بغداد مركز الخلافة العباسية السنية تابعة لأول مرة إلى الخلافة الفاطمية في تحول بدا كارثيا وغير متوقع آنذاك، لكن سرعان ما دخل السلاجقة إلى بغداد وطهروا العراق بل ومعظم بلاد الشام من الوجود الفاطمي، وتمكنوا من إعادة الأمور إلى نصابها، وحملوا على عاتقهم منذ ذلك الحين مطاردة الفاطميين على الصعيدين السياسي والعسكري.

 

في هذا الوقت كان الحسن بن الصباح منشغلا في قراءة كتب الإسماعيلية، ناهلاً منها معارفه وأطروحاته، ثم ما لبث أن أدى يمين الولاء والطاعة للدولة الفاطمية ودعوتها أمام داعية إسماعيلى كان نائبا عن عبد الملك بن عطاش كبير الدعاة الإسماعيليين حينئذ في غرب إيران والعراق، وفى عام 464هـ/1072م وصل عبد الملك بن عطاش لمدينة الري، فلقيه حسن الصباح وقد وافق ابن عطاش على انضمام الصباح للدعوة الإسماعيلية، وحدد له مهمة معينة لهذه الدعوة ثم طُلب منه السفر إلى مصر لكي يسجل اسمه في بلاط الخليفه الفاطمي بالقاهرة..

 

وخرج الحسن بناء على ذلك إلى مدينة أصفهان في سنة 467هـ/1075م فأقام بها سنتين يشتغل بالدعوة وكيلا لابن العطاش، ثم خرج منها إلى مصر التي وصلها في الثلاثين من أغسطس سنة 471هـ/1079م، وقد استقبله بها داعي الدعاة “أبو داؤود” استقبالا حافلا شاركه فيه جماعة من النبلاء والأعيان الفاطميين، وسرعان ما شمله المستنصر برضاه، وأغدق عليه، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته، فقال له الحسن “فمن الإمام بعدك؟ فأشار إلى ابنه نزار

ومنذ تلك اللحظة دان ابن الصباح بالولاء لنزار بن المستنصر، وإن كان قد أقام بالقاهرة ثمانية عشر شهرا كاملا كثرت فيها دسائس “المستعلي” وأعوانه، وخاصة قائد الجيش بدر الجمالي، فاضطر إلى مغادرة مصر وركب السفينة من الإسكندرية في شهر رجب سنة 472هـ/1080م، ووصل في النهاية -بعد رحلة خطرة كاد يغرق فيها أمام شواطئ الشام- إلى مدينة أصفهان في ذي الحجة سنة 473هـ/1081م.

 

ومن وقتها أخذ ابن الصباح يدعو لنزار (أكبر أولاد الخليفة المستنصر الفاطمي) فشملت دعوته يزد وكرمان وطبرستان ودامغان وولايات أخرى من إيران لم يدخل في عدادها مدينة الري؛ لأنه كان يتجنبها اتقاء لشر الوزير نظام الملك الطوسي الذي كان يتحرق إلى القبض عليه، كما دلت على ذلك أوامره التي أصدرها.

 

وفي ايران..تنقل الصباح داخل إيران مستكشفا لها لمدة تسع سنوات، ثم قرر نشر الدعوة منطلقًا من إقليم الديلم ومازندران، كما كان يتفادى المدن في تنقلاته ودعوته، ويفضل أن ينتقل عبر الصحراء، حتى استقر في منطقة دامغان وحوّلها إلى قاعدة للدعوة الإسماعيلية النزارية، يبعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب الناس إلى هذه الدعوة، واستمر على ذلك لمدة 3 سنوات حتى أصبح خطرًا داهمًا على الوجود السلجوقي في إيران، وقد اتخذ الوزير نظام الملك الطوسي قرارًا باعتقال ابن الصباح؛ لكنه تمكن من الهرب إلى صوب قزوين

 

لم يكن كل هم حسن الصباح في تنقلاته نشر دعوته وكسب الأنصار فحسب؛ بل أيضاً للعثور على مكان مناسب يحميه من مطاردات السلاجقة الدائمة، ويتمكن من خلاله من جعله قاعدة مستقرة وآمنة لنشر دعاته في إيران وسرعان ما وقع على بُغيته التي وجدها في قلعة ألموت المنيعة.

 

ظل الحسن الصبّاح في هذه القلعة الحصينة بقية حياته، فلم يخرج منها طوال 35 عامًا حتى وفاته، وكان جل وقته يقضيه في القراءة والمطالعة، والتخطيط لنشر المذهب الباطني الإسماعيلي النزاري، ومراسلة الدعاة وتجهيز الخطط، وكان همّه الأول والدائم كسب الأنصار والمؤيدين الجدد، والسيطرة على القلاع والبقاع الجديدة التي تسهم في توسيع النفوذ الباطني في تلك النواحي.

 

لذلك استمر بإرسال الدعاة إلى القرى المحيطة برودبار المجاورة، كما أرسل مليشياته للسيطرة على القلاع المحيطة تارة عن طريق الخدع الدعائية، وتارة بالأساليب الدموية والمجازر،

 

وكانت هذه القلعة حصنًا قديمًا فوق صخرة عالية في منطقة وعرة وسط الجبال على ارتفاع ستة آلاف متر أو يزيد، وقد بُنيت بطريقة شديدة الإحكام، فليس لها إلا طريق واحد فقط للوصول إليها؛ مما يصعّب على الغزاة اقتحام هذه الطريق الوعرة، ولم يعرف على وجه الدقة أول من بنى هذه القلعة، ويقال إن من بناها هو أحد ملوك الديلم القدماء وأسماها (ألوه أموت) ومعناها عش النسر،

 

لقد كانت فرقة الحشاشين شديدة الدموية والجرأة في مواجهة الخصوم، وكان السنة والصليبيون على السواء يخافون من غيلتهم ودمويتهم، ومهاراتهم غير المتوقعة في الإجهاز والقتل..

 

استطاع الحسن الصباح أن يضرب ضربته الكبرى باغتيال الوزير الشهير نظام الملك الطوسي بعد عدة أسابيع فقط من وفاة السلطان ملكشاه من نفس العام 485هـ/1092م، وقد كان اغتيال نظام الملك من أوائل عمليات الاغتيال الكبرى التي قام بها الحشاشون، وهي فرقة فدائية كانت رأس حربة الإسماعيلية في الانتقام من خصومهم؛ بل كانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات التي قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين، استمرت حتى احتل هولاكو قلعة ألموت وقضى على شوكتهم في الشرق، والتي استمرت حوالي القرنين من الزمان.، ويتخلص نهائيا من جميع الحشاشين وهكذا تم القضاء على الإسماعيلية النزارية بضربة نهائية قوية بعد وجود في إيران دام ما يقارب القرن والنصف من الزمن..

 

ورغم ذلك لا يزال بقايا الإسماعيلية النزارية اليوم في كثير من دول العالم، ولعل من أهمها الطائفة التي يُطلق عليها الأغاخانية، ويُعد إمام هذه الطائفة واحدًا من أغنى أغنياء العالم؛ نظرًا لما يتحصّل عليه من أتباع هذه الطائفة التي تبلغ نحو العشرة ملايين شخص في أرجاء العالم.

 

عموما توفي ابن الصباح عام 518هـ/1124م في الألَموت، واختلفت المصادر عن مصير ذريته فبعض المصادر تذكر أنه قتل أولاده في حياته، إلا أن جل المصادر التاريخية وأغلبها أجمعت على أنه مات من غير تلك الجناية، وقد خلفه بزرك أميد (برزجميد) في زعامة الطائفة،….. مبرووك هذه النقلة النوعية للدراما المصرية …..

 

مراجع : ابن الاثير . الكامل في التاريخ

Leave A Reply

Your email address will not be published.