ذهبتُ إليها أعودها في مرضها حنان الشيمي

0

 

ذهبتُ إليها أعودها في مرضها

حنان الشيمي

تذكرت اليوم حين ذهبتُ إليها أعودها في مرضها؛

لما علمت أنها أصبحت قعيدة وطريحة الفراش لمرض مزمن في العمود الفقري.

 

هي أم صديق زوجي وكنتُ أعتبرها بمثابة أم ثانية،

في سنوات زواجي الأولى دعمتني،

فكنت أستشيرها في كل شيء حتى مقدار الماء الذي أضيفه للأرز.

لم تبخل علي بنصيحة أو استشارة أو دعاء.

 

دائما داعمة مؤازرة ناصحة أمينة، بشوشة الوجه نقية السريرة مضيافة وصاحبة ذوق عال وحس مرهف.

 

باعدت بيننا المسافات فسافرتُ عدة مرات،

 

وحين عدتُ انتقلتُ لمكان بعيد في أطراف القاهرة فكانت تجمعنا المحادثات من حين لآخر.

 

ذهبت إليها فوجدتها كما عهدتها ضاحكة مستبشرة،
احتضنتني فتشابكت دموعنا فلا تكاد تفرق بينها.

 

سألتها أول ما سألتُ؛
لم يا غاليتي لم تقيمي مع أولادك؟
أجابت:
البني آدم ثقيل ولا أريد أن أكون عبأ على أحد،

فما ذنب أزواج بناتي كي يتحملوني، وما ذنب زوجات أولادي أن يخدموني.

 

صِحتُ مغاضبة:

_بل وجب عليهن خدمتك.

ابتسمتْ لائمة وقالت:
_يا حنان أنتِ من تقولين هذا؟ هل من الشرع ما يتفق مع كلامك؟

وهل زوجات أولادي واجب عليهن خدمتي؟
تلعثمت قليلا ثم قلت:
_برًا بكِ وبأزواجهن!

 

تنهدتْ وقالت: لا يا ابنتي بل قولي كلمة الحق خدمتي فرض على أولادي فقط،

ويكفيهن خدمة بيوتهن وأولادهن وأزواجهن وعملهن.

 

طافتْ بي ذكرياتها خلال ما يقارب من ثلاثين عاما مضت،

رأيتها أما وأبا بعد أن سافر زوجها لإحدى الدول العربية مدرسًا،

فقد ضاق به الحال هنا ولم يستطع توفير حياة مناسبة لها ولأولاده.

 

بقي في غربته حتى كبر الصغار، البنتين تزوجتا، والولدين تخرجا وسافرا أيضا.

 

وحين عاد الزوج منذ حوالي خمس أعوام وجد البيت فارغا إلا منها.

لكن حملها الثقيل ناءت به الآن وهاجمتها الأمراض.

وكان أشرسها أمراض العظام حتى انتهى بها الحال طريحة فراش وكرسي متحرك.

 

ومن لطف الله أنه عاد ..
عاد ليخدمها ويقوم برعايتها حتى وافته المنية بعد صلاة الجمعة على باب شقته.

 

فأصبحتْ وحيدة مرة أخرى
تلك السيدة التي سهرتْ وربتْ وزوجتْ وكبرتْ.

 

لم تجد في مرضها من يرعاها!
أحضروا لها جليسة منزل،
امرأة تأتيها في الصباح وترحل قبل غروب الشمس.

 

تقضي الليل وحيدة فكرتُ فيها ماذا إن أرادت دخول دورة المياه؟
ماذا إن اشتهت شيئا تأكله؟

ماذا إن جاعت؟
إن عطشت؟
إن تألمت؟
إن أصابها مكروه؟
فكرتُ فيها وأنا أضع نفسي مكانها،

فلُمتُ الدنيا ولُمتُ البشر ولُمتُ الأبناء.
نظرتْ في عيني وكأنها تقرأني فابتسمتْ مرة أخرى وربتتْ على يدي:
_لا تخشي علي يا حبيبتي أنا بخير وأتحرك في شقتي بالكرسي ..

ثم إن أولادي لا يتركونني أبدًا يسألون عني كل ساعة. ويزورونني كل يوم،

يحضرون طلباتي وعلاجي وكل شيء.
أنا هنا لأني أريد أن يتذكرني الجميع بالخير،

ويقولون عاشت كريمة وماتت خفيفة، لم تثقل علينا،

ولم تحملنا ما لا نطيق
أطرقتُ نظري للأرض وكدت أذوب خجلا.

فضحكتْ مداعبة وقالت قبل أن أمضي
_تعلمي الدرس يا حنان فما لا تقبلينه على نفسك لا ترضينه لغيرك

وما ناء به ظهرك لا تضعيه وزرا على من بعدك.

هذا ولك مني يا أمي كل سلام⁦❤️⁩
ولكل عزيزة كريمة خفيفة ألف سلام⁦

Leave A Reply

Your email address will not be published.