بين التقليد والتدمير للمشاهد مشاهد بقلمي :جمال القاضي

0

بين التقليد والتدمير للمشاهد مشاهد
بقلمي :جمال القاضي

 

ولأننا لم نريد لأنفسنا تعب التعلم أصبح التقليد طريقاً سهلاً للوصول لما نريده من إعتلاء للقمم .

 

أصبحنا نقلد الممثل الفلاني بكل أفعاله القذرة ، صرنا نقلده في البلطجة والسطو وادواره في تجارة المخدرات والسهر مع الغانيات والسرقة ، لكن معذور من راح يقلد لانه يرى أن من يفعل ذلك كان يحترم من الناس والمجتمع .

 

نعم صار هناك من يقلده وهو يتاجر في المخدرات من أجل الحصول على الكثير من المال ، لكنه معذور فيمن راح يقلده ، لأنه يرى أمامه أمثلة كثيرة لإحترام البشر لمن يمتلك المال ، فهو يرى أيضا أن من يمتلك المال يمتلك النفوذ والسلطان والقوة ولا أحد يعصي له أمراً ، فبهذا المال يعلو قمم المناصب هو وذويه ، وبه تفتح أمامه كل الطرق والسبل المغلقة وتيسر له كل الصعاب وتزال من أمامه كل العقبات ، فرسخ في عقل المقلد أهمية المال دون أن يهتم من أي يكون مصدره حلالاً كان أو حراماً فهو لايعنيه ذلك أبدا .

 

صار هناك من يقلده في شرب الخمر والسهرات الليلية مع النساء الساقطات وهو يراهم يتمايلن راقصات ويلقي فوق رؤوسهن المال ويتمتعن بذلك ، فكان معذور. لما يرى ويقلد لانه بات في عقله شيطان ، يوحى له بأن ذلك يعد ذكاء ممن يستطيع أن يوقع بإمرأة في شباك غزله لتصبح فريسة سهلة يستطيع أن يفعل بها ومعها كل المحرمات والمنكرات ، دون الإلتفات للخوف من الله ، أو العتاب لضميره أو حتى الخوف من رؤية البشر له ، فكل هذا مباحاً في نظره لأنه قد رأى ذلك في تلك المشاهد الساقطة بهذه الأفلام التي يقوم بها هذا الممثل الذي راح يقلده بكل تفاصيل أدواره .

 

ولذلك :
لذلك صارت في أعيننا كبائر الذنوب والمعاصي صغيرة لانعاتب عليها أنفسنا ، باتت أمام ضمائرنا شيئاً هيننا ومباحاً ،
ولذلك قد رأينا كيف انتشرت كل الجرائم جهراً ونهاراً ، فزالت كل الحواجز مابين ضمائرنا وبين هذه المعاصي ، وأصبح واضحاً أن ليس هناك مانعاً يمنع من الزنا بالمحارم ، بل أصبح ليس هناك مايمنعه من قتل بأبشع الطرق للأب والأم والأخ والأخت والجار ولأسباب تافة لاتستدعي ذلك ، فقط لأننا قد رأينا مثل هذا المشهد في فيلم كان عنوانه كذا والذي كان بطولته الممثل الفلاني المشهور .

 

صار البعض من الشباب بل ومن تقدم بهم العمر أيضاً يرى السيدة
المحترمه التي تسير أمامه في وتشق طريقها ، ذاهبةً للتسوق أو للجامعة أو لغير ذلك إنما هي في نظره فريسة سهلة للإغتصاب.

 

صار البعض ينظر للأرمله فريسه للنيل من شرفها ، فقط لأنها لم يعد لديها رجلاً يحميها من هذه الذئاب الضالة التي ملئت طريقها .

أصبحت زوجة الفقير المريض تعاني وتتألم من شدة خوفها من أن تتعرض للإغتصاب مقابل أن يتم العطف عليها ممن يمتلك المال تحت مسمى الزنا مقابل المال ، أليست هذه المشاهد مستمدة من مشاهد الأفلام الهابطة ومحتواها الغير هادف والغير لائق أخلاقياً واجتماعياً.

 

صارت السيدة المطلقه تعيش في معاناة ، لأن الإنعكاس عنها كما صورته لنا هذه الأفلام بأنها سيدة سيئة الأخلاق وعليها لكي تعيش أن تعمل راقصة في أحد الملاهي الليلة للتجار بجسدها الرخيص ، وتكسب المال ، من أين كانت هذه النظرة لها ؟ ومن أين كان الإنطباع السيء عنها ؟

 

لقد تغيرت كل الصور أمامنا ، لقد اختصرت كل العادات والتقاليد التي تتمتع بها شعوبنا لتصبح بلون واحد وهو اللون الأسود الذي يحجب كل لون خلفه ، فبات المشاهد في الشعوب الآخرى وممن يرى هذه الأفلام والمسلسلات الهابطة التي ليس لها أي هدف ولايتعلم منه أفراد الشعب شيء يفيده ، سوى القبح والإساءة والذم لأخلاق هذه الشعوب ، قد صوروا عن شعوبنا ونقلوا عنها صوراً سيئة وغير حقيقية بواقع المجتمعات العربية ، ولاتمثل إلا أخلاقاً للقلة فيها ، ألا وهم طائفة تضم كل من المنتج والمؤلف والممثل والمخرج السيء ولاغيرهم من الشعوب ، فظن من يشاهد يعتقد أن باقي الشعب أنما يشبه تلك المشاهد وأن الكل يتصف بالإنحلال الأخلاقي كما تروي وتحكي له هذه المشاهد.

 

ولكل هذا علينا :
علينا أن نعيد للرقابة دورها ، من فحص ودراسة وتحليل ، فلو كانت مثل هذا الأفلام والمسلسلات قد سمحت بها الرقابة ، فعلينا أن نغير جهاز الرقابة ذاته ، لأنه بذلك يشترك مع المؤلف والممثل اشتراكاً فعلياً ومباشراً في نفس الهدف والدور .

 

 

علينا أن نعلم أن مايتم عرضه ويشاهده الغير يغرس الفكر والإنطباع عن الشعب الذي كان منه هذا العمل الفني ، فثقافة الشعوب تبني من بعيد على مايرى منها ويصل إليها عبر قنوات التواصل ، وليس على سلوكيات تبني على مواقف واقعية تجمع بين الأطراف ، لأن كل من هذه الأطراف يعمل بعيداً عن الآخر ، فكيف يعرف عنه الحقيقة إلا من شيء يشاهده ويترجمه قلم من قام بالتأليف والكتابة .

 

وأخيرا :
لنا مع الكاتب والفنان وقفة
المال لايبقى والشهرة لاتدوك وحتما سوف تنتهي يوما ما ، لكن يبقى الجميل الذي كان منك جميلاً ،وإن كان منك سيئا فكن حذرا ، فأنت شريك لمن يقلدك بالسيئات والمعاصي التي يرتكبها هو نتيجة تقليده لك ، فلاتطمع في الحصول على المال واتق الله في عمل قد يؤثر على شبابنا الذين لانرغب منهم في شيء إلا أن نراهم على حسن الخلق والثواب حتى يرقى مجتمعنا برقي خلقهم وثواب سلوكهم .

Leave A Reply

Your email address will not be published.