القناعة مابين الأمنيات والواقع ” بقلم /  جمال القاضي

0

القناعة مابين الأمنيات والواقع ” بقلم /  جمال القاضي

 

ربما تمردت نفسك يوماً ، ربما كانت أحلامك وأمنياتك في هذه الدنيا أن تصبح أنت ليس أنت وإنما غيرك ، وفي نفس المكان والمكانة التي هو فيها ، وربما شعرت أيضا أن الذي تملكه ليس هو الذي كنت تريده وتتمناه . 

 

شعور غريب يعيشه الإنسان ،يتمرد فيه على واقعه وقدره ، يجلس في خلوة يخلق لنفسه فيها حديثا بينه وبينها ، يستعرض من خياله ، ويقارن من واقعه في هذا الحديث أشياءً كثيرة ، يبكي على حظه السيء في نظره ، فهو لايملك مثلما يملك غيره ، أو قد يكون يشبه مايملكه غيره ، ومع ذلك يفقد الشعور بلذته أو يفقد معه الإحساس بالسعادة ، فهو لايملك مثل غيره سيارة ، فهو في نظره لم يتزوج إمرأة جميلة كتلك التي يراها برفقة جاره وتطل برأسها من نوافذ حجرتها ، أو يراها مبتسمة حين تتحدث مع زوجها وهي تقف بجانبه ، فيتحدث لنفسه قائلا كم اتمنى هذه أن تصبح لي زوجة يوما ، فأصبح معها سعيدا ، 

 

ذاهباً بخياله لمن يملك المال قائلا عنه ، آه لو كنت أملك من المال مثله لكنت فعلت كذا وكذا ، وغيرها من النعم التي يمنحها الله لغيره ، 

 

ونسي أشياءً كثيرة ، والتي تجعلنا نسأله : أليست زوجتك هذه كانت من أولى الأمنيات التي كم سعيت للحصول عليها ؟ هل ترى فيها شيئاً ينقص عن غيرها أو غيرها تمتلك من مفردات الجمال أكثر منها ؟ لا لم يخلق الله أحداً إلا وفيه شيء جميلا ،ربما كان الوجه ، ربما كان الجمال هو في الطبع ، وربما كان في أخلاقها وطيبة القلب أو أي شيء غير ذلك .

 

 هل كنت أنت على قناعة بأن هذه الإبتسامة التي رأيتها على وجهها تعكس بالضرورة سعادتها مع زوجها ؟ هل هذا المال الذي ذهبت بأمنياتك يوماً بأن يصبح ملكك أنت كان من يملكه من غيرك سعيداً به وينام ليله ؟ هل سألته عن صحته ومرضه ومايعاني من أمراض جسدية أو نفسية بسبب هذا المال ؟ لا لم تسأل ولم تحاول ذلك خوفاً من القيل بأنك حاسداً 

 

هل سألت عن حال هذا الولد الذي أعطاه الله لغيرك رغم أن الله رزقك بولد قد يكون مثله وكيف يتعامل مع أبويه ؟ هل سألت عنه كان عوناً لأهله ولايعق والديه ؟ لا لم تسأل ، لكنك أخذت بظواهر ماترى والصورة الخارجية فقط ، لكن لم تحاول قائلا وهل تخلو الأسر من المشكلات ؟ فلماذا إذا ترغب في أن يتبدل الحال فيما بينك وبين غيرك ؟ 

 

  وغيرها من الأسئلة التي تطرح نفسها ، فلو صار الحال وكان كل مانريده أصبح من نصيبنا لصرفنا النظر عنه وصار الذي كنا نتمناه بالأمس منسياً اليوم ، وراح كل منا يبحث عن غيره ، فتلك أمنيات وأهواء لاتنقطع في النفس البشرية .

 

تدور دائما هذه النفس ولاتمل ولاتنقطع عن التمنى ، حين تمنت بالأمس من تحبه فكان لها صارت اليوم تراه غير مرغوب فيه وبحثنا عن غيره ربما يصبح مرغوباً فيه يوماً وغير مرغوب في يوم يأتي بعده وهكذا تظل الأمنيات تفقد حلقة توقف دورانها المرهق للعقل والسارق للوقت والممل بكثرة التفكير .

 

لكننا نسينا حلقة ما قد سقطت ، لكن كان سقوطها عمداً وبرغبتنا ظناَ بأن المفقود ولم يكن من حوذتنا هو الأجمل ، وما لانملكه هو الأفضل ألا وهي القناعة .

 

هذه القناعة تكثر القليل في نظر صاحبها ، يرى معها كل قليل من الجمال جميلا ، يرى معها كل شيء جميلاً ، لأنه يثق ويقتنع من داخله أن من كتب له هذا القدر الذي يعيشه هو الله سبحانه وتعالى ،فيصبح الرضا مع عطايا الله من نصيبه ، فلايشغله كل مايراه مع غيره من كثرة للنعم ، فكل شيء يراه ولايملكه إنما هو لم يكن من نصيبه وهو فقط مقدراً ليكون من نصيب غيره .

 

وأخيرا :

 جرب يوماً هذه القناعة ، وثق تماماً بأن الله سيبارك لك في كل ماتملكه ، وليست السعادة مع جمال تراه للوجه لامرأة تتمناها غير زوجتك ، أو في مال تتمنى أن يصبح معك بكثرته ، فالرضا والقناعة هما سببين من أسباب السعادة بل هما كل السعادة في الدنيا والآخرة ، وهما هذه الحلقة المفقودة مابين الأمنيات والواقع فمن وجدهما أكتملت خطواته في طريق السعادته وحتما سيصل بهما إليها .

Leave A Reply

Your email address will not be published.