السامية خرافة أسطورية وبدعة دينية

0

السامية خرافة أسطورية وبدعة دينية

بقلم: د. بلال محمد على ماهر

 

حقيقة السامية خرافة أسطورية وبدعة دينية، وقد خرجت هذه البدعة من رحم «التوراة» وولد هذا المصطلح الزائف فى التاريخ الحديث فهيمن على أفكار أجيال من الدارسين والباحثين ومازال مهيمنًا عليهم. وقد لاقى هذا المصطلح ترحيبًا من المختصين بالاستشراق، فشاع استعماله على نطاق واسع، وبقي متداولًا إلى يومنا هذا بين المعنيين بتاريخ اللغات والحضارة.

وأول من دون هذا المصطلح مطبوعًا هو المؤرخ الألمانى «أوغست شلوزر» ، فى مقال له عن «الكلدانيين»، فى عام 1781م. فيقول «شلوزر»: “من البحر المتوسط إلى الفرات، ومن أرض الرافدين حتى بلاد العرب جنوبًا سادت كما هو معروف لغة واحدة، ولهذا كان السوريون والبابليون والعبريون والعرب شعبًا واحدًا، وكان الفينيقيون (الحاميون) أيضًا يتكلمون هذه اللغة التى أود أن أسميها اللغة السامية”. وقد أورد عالم العقيدة الألمانى «يوهان أيكهورن» قول «شلوزر» وتولى بعد ذلك هذا المصطلح والدفاع عنه وادعاه لنفسه.

وقد قال الباحثون بأن الأقوام المتكلمة باللغات السامية انحدرت جميعها من جد واحد هو «سام بن نوح عليه السلام» استنادًا إلى قائمة الأنساب التى تذكرها «التوراة» فى الإصحاح العاشر من سفر «التكوين»، وأطلقوا على هذا الأصل «السامية»، وعلى اللغات التى تكلموا بها «اللغات السامية». كما أسهم المفكرون والمؤرخون ـــبعمد أو بغير عمدـــ فى انتشار مصطلح «السامية» لغة وحضارة وتاريخًا وآثارًا. وأصبح عندهم علمًا لمجموعة من الشعوب المزعومة، وأسسوا أقسامًا مستقلة فى الجامعات للغات والدراسات والحضارة السامية، دون التحقق من أصل هذا المصطلح الزائف.

وفى تقديرنا أن جوانب الضعف والعوار فى مصطلح «ساميون» يمكن إيجازه فى النقاط التالية:

 أولًا: لماذا لم يُنسب الساميون لنوح (عليه السلام) نبى الله وبطل الطوفان؟! وهل ابتدع ولده سام لغةً تكلم بها غير لغة أبيه نوح وإخوته؟!

ثانيًا: لماذا اعتمد «شلوزر» العرق أساسًا لتأصيل التشابه اللغوى بين أقوام السامية متناسيًا أن سام كان له أخوان: يافث وحام، فكيف يصح أن ينفصل سام من بيت أبيه ومن بين إخوته عرقيًا ولغويًا؟!

ثالثًا: وفى هذا الصدد، يقول الكاتب الفرنسى «ليوتاكسل»، فى كتابه «التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير؟!»(1): “وبالرغم من ذلك يتفق اللاهوتيون على أن نوحًا أَعطى آسيا لــ «ـسام»، وأوروبا لــ «ـيافث»، وأفريقيا لــ «حام». فذرية «حام وكنعان» هم الزنوج والملونين، لذلك ينبغي أن تكون ذريتهما عبيدًا للأوروبيين. ولنا سؤال محير فى هذا العطاء: كيف أصبح أبناء نبى الله «نوح عليه السلام» الثلاثة مؤسسين لثلاثة أعراق مختلفة، وهم المولودون من أب واحد وأم واحدة؟! ومع ذلك، علينا أن ننحني أمام إرادة يهوه وكتابه المقدس، ونعترف بأن العِرق الآسيوى الأصفر من صلب «سام»، والأوروبى الأبيض من صلب «يافث»، والأفريقى الأسود من صلب «حام وكنعان». وهناك سؤال آخر جدير بالاستفهام: من أين جاء الأمريكيون الحُمر البشرة؟! أغلب الظن أن الروح القدس سها أن يُخبر مؤلف كتاب التكوين عن ذلك! وعلينا أن نُقر بأن هؤلاء لا أصل لهم!!

رابعًا: ادعاء اليهود بإن أصل البشر فى جميع أنحاء العالم ينتمي إلى أبناء نوح (عليه السلام) الثلاثة شيء لا يأتلف مع المنطق والعقل والعلم، وهو ادعاء مخالف لطبائع الكائنات كما أشار إلى ذلك «ابن خلدون» فى مقدمته(2) الشهيرة بالقول: “ولما رأى النسابون اختلاف هذه الأمم بسماتها وشعارها حسبوا ذلك لأجل الأنساب فجعلوا أهل الجنوب كلهم السودان من ولد «حام»، وارتابوا فى ألوانهم فتكلفوا نقل تلك الحكاية الواهية وجعلوا أهل الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد «يافث» وأكثر الأمم المعتدلة وأهل الوسط من ولد «سام»، وهذا الزعم ليس بمقياس مطرد، فتعميم القول فى أهل جهة معينٍة من جنوبٍ أو شمالٍ بأنهم من ولد فلان المعروف لما شملهم من نحلة أو لونٍ أو سمةٍ وُجدت لذلك الأب إنما هو من الأغاليط التى أوقع فيها الغفلة عن طبائع الأكوان والجهات”.

خامسًا: لقد فاجأنا أحد نبلاء الضمير فى الغرب البائس، وهو المفكر الفرنسى المعروف «بيير روسيه»، فى كتابه «التاريخ الحقيقى للعرب ـــ مدينة إيزيس»(3)، حين قرر الانتقاض والتقريع، تقريع من كتب الكذب فى جامعات أوروبا ومن صَّدق ذلك فى جامعاتنا، قائلًا: “وهل هناك ضرورة لإضافة أن تعبير «سامى» لم يرد له ذكر بين مفردات اللغة الإغريقية أو اللاتينية؟! وما يقال فى هذا المجال طويل. إننا لن نجد هذا التعبير قبل نهاية القرن الثامن عشر، ذلك أن العالم «شلوزر» هو الذى صاغ هذا النعت «السامى» فى مؤلف نشره عام 1781م، وأعطاه عنوان «فهرس الأدب التوراتى والشرقى»(4)، كأن الأدب التوراتى ليس شرقيًا!! إن هذا التقسيم الذى حدده «شلوزر» يدعو إلى التوجس والحذر، ومن المؤكد أن التسليم بتقسيم الشعوب إلى شرقية وغربية هو مفتاح تاريخنا وأنه مع هذا التقسيم الجغرافى يتطابق حدان مزدوجان عنصريان وهما الهنود الأوربيون أو من يسمون أحيانًا (بالآريين) والساميون.

ليس من اليسير القطع برأى فى صدد تقسيم الجنس البشرى كما ورد فى التوراة، ومدى توافقه مع الأبحاث الحديثة، وهو غير حري بالدراسة الجدية. ومن جهة أخرى فإن التأصيل العرقى الذى قدمه «شلوزر»، يصطدم بعقبتين رئيسيتين شخصهما دكتور/ لطفى عبد الوهاب أستاذ تاريخ الحضارة القديمة بجامعة الإسكندرية فى معرض حديثه عن«الساميين» أو الشعوب «السامية»، فى كتابه «تاريخ العرب»(5)، فيقول: “الحديث عن الشعوب «السامية» كمجموعة بشرية تنتمي إلى جنس أو عنصر واحد له ملامحه وخصائصه الجسمية الخاصة به والمميزة له هو حديث لا يستند إلى أساس علمى لسببين: أحدهما يتصل بقضية النقاء العنصرى، والآخر يتصل بالعلاقة بين العنصر واللغة”.

بات الموقف المعادى للوهم الصهيونى ـــوعلى وجه الخصوص الموقف العربى والإسلامىـــ يُنعت بمعاداة السامية، حتى أصبحت السامية المزعومة سيفًا مسلطًا على رقاب الكتاب، والأدباء، والمفكرين، والمؤرخين، والإعلاميين، والحكومات وإخضاعهم جميعًا لما تريده الصهيونية العالمية. وفيما يخص السبب الأول فإن تطابق الملامح والخصائص الجسمانية بين الشعوب «السامية» ادعاء غير صحيح، فهناك تباينًا واضحًا فى هذا المجال بين هذه الشعوب من جهة، ثم من داخل كل شعب منها من جهة أخرى، وفى الواقع فإن علماء الأجناس قد انتهوا منذ منتصف القرن الحالى إلى أن الحديث عن نقاء الأجناس البشرية قد أصبح فى حقيقة الأمر «خرافة علمية» لا أساس لها من الصحة حسب تعبير عالم الأنثروبولوجيا «جوان كوماس» وهو أحد علماء الانثروبولوجيا المعاصرين (علم دراسة الإنسان) وهو إسبانى مكسيكى قام بنشاط فعال ضد التفرقة العنصرية وشارك فى وضع المسودة الأولى لوثيقة اليونسكو. وقد ورد فى كتابه «خرافات عن الأجناس»(6) قوله: “إن فكرة الجنس مليئة بالقوة العاطفية لدرجة أنه من الصعوبة بمكان دراسة أهميتها. فليس ثمة أساس علمى لتصنيف الأجناس على أساس من الرقي النسبي، وما التمييز الجنسي وخرافاته إلا وسائل لإيجاد كبش فداء حين يتهدد تماسك الجماعات. وما الأفراد الذين يختلفون فى المظاهر الجسمانية إلا أسهل الأهداف للأعمال العدوانية خصوصًا حين يسبغ على العدوان أساس من الرداء العلمى”.

أما عن اتخاذ اللغة أساسًا لوحدة الجنس أو العنصر، فيقول دكتور/ لطفى عبد الوهاب: “إن الثابت من الملاحظة التاريخية هو أن اللغة لا تصلح أساسًا لأى تحديد عنصري لسبب بسيط هو أن الفئات البشرية لها قابلية غريبة لالتقاط اللغات إذا كان ذلك يخدم أهدافاً مصلحية أو عمرانية”. ويذهب المؤرخ «فيليب خورى حتى» مؤرخ وأستاذ الدراسات العربية، والإسلامية، واللغات السامية بجامعة هارفارد، وجامعة بوتا، والجامعة الأمريكية ببيروت، وآخرون، فى كتابه «تاريخ العرب»(7): إلى أن “التفسير التقليدي والمألوف الذى يذهب إلى أن «الساميين» قد انحدروا من أكبر أبناء نوح «سام» لا تؤيده الأبحاث العلمية المتخصصة الحديثة”.

وبصرف النظر عن الجانب العرقى ومشكلات دراسات الإنسان فإن الحديث عن أصل مشترك للساميين على النحو الذى جاء فى التوراة لا يقوم على أساس تاريخى موثق، فقائمة النسب التوراتية لا تتفق مع الحقائق التاريخية. فيقول العلاّمة «ثيودور نولدكه» شيخ المستشرقين الألمان، وأستاذ الدراسات الشرقية بجامعة «لايدن» الهولندية العريقة فى كتابه «اللغات السامية»(8): “تُدرِج التوراة شعوبًا فى قائمة «الساميين» كالعلاميين والليديين رغم اختلافهما، وتُقصي شعوبًا كالكنعانيين رغم توافقهم”. وقد أرجع المستشرق الألمانى «كارل بروكلمان» أستاذ الدراسات الشرقية والعربية بجامعة روستوك الألمانية سبب إقصاء الكنعانيين إلى عداء كُتَّاب التوراة للكنعانيين.

أليس من الغباء قبول نظرية الأعراق التوراتية؟ أليس من السخرية أن يُدَرس فى الجامعات أننا من صلب «سام»؟! انطلاقًا من وثائق مريبة لا وجود لها ولا معنى لها؟ وخلاصة القول أننا أمام لغط شائع يتمثل فى استخدام مصطلح «السامية»، وما يشتق منه مثل «الساميين»، ومصطلح «معاداة السامية» الأجوف، حيث بات الموقف المعادى للوهم الصهيونى، والمقاومة العربية والإسلامية المشروعة ـــوعلى وجه الخصوص المقاومة الفلسطينية الباسلةـــضد الاحتلال الصهيونى الغاشم فى الأراضى الفلسطينية المحتلة يُنعت بمعاداة السامية، حتى تحولت سيفًا مسلطُا على رقاب البلاد والعباد وإخضاع العالم المتحضر لما تريده الصهيونية ودعاة خرافة السامية المزعومة.

أما البدعة الدينية فقد جاءت مع ما ورد فى نصوص العهد القديم المحرفة، وفى التلمود المبتكر، فبدلًا من أن يُدْعى ﴿الله﴾ باسم رب العالمين يُدعى أنه إله أبو اليهود إبراهيم (عليه السلام)، وإله أنبياء بنى إسرائيل (شعب الله المختار): إسحاق، ويعقوب (عليهما السلام) وذريتهما، دون غيرهم من الأنبياء والمرسلين، وتعمدوا تجاهل نبى الله إسماعيل (عليه السلام) وذريته من نسل نبى الله إبراهيم (عليه السلام)، وأنكروا نبوة المسيح (عليه السلام) ورسالة الإنجيل، كما أنكروا نبوة محمد (ص) ورسالة القرآن الكريم. وكما يقول الكاتب الإسلامى الكبير/ محمد على ماهر فى كتابه الدرامى «المسيح عليه السلام»(9)”ادعى كهنة إسرائيل وأحبار صهيون أن الله هو إله بني إسرائيل وحدهم محتكرى الكتب والنبوات، خيرًا لهم وشرًا لسائر الشعوب والأمم، وزعموا أن ملكوت السماوات يفتح لشعب الله المختار من بني إسرائيل وحدهم، ولا يفتح للأشتات والأجناس والغرباء من سائر الأمم والشعوب”. وبذلك جعل اليهود المُحَرِفون، والصهاينة العنصريون من الله رب الناس ورب العالمين إلهًا متحيزًا يختص بعبادته بنو إسرائيل، مما يتناقض مع جوهر الإسلام، ودعوة الأنبياء إلى المساواة بين جميع البشر فى كل زمان ومكان، فلا يزكى على الله أحدا.

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.