الانتظار سيد الموقف بقلم:سلوى مرجان

0

الانتظار سيد الموقف

بقلم:سلوى مرجان

 

الانتظار سيد الموقف
مر يومان ثقيلان وأنا في انتظار قرار أمي،

حتى استدعتني في صباح اليوم الثالث وأخبرتني بموافقتها، لا أعرف لم فرحت كل هذه الفرحة،

ربما لأنها المرة الأولى التي أرغب في شيء ويتحقق، بل ربما هي أول مرة أرغب في شيء،

أنا حتى لا أعلم لم طلبت هذا الطلب ولا أرى فائدة في إثقال نفسي بالعمل سوى أنني أريد أن أرى الكون وقتا أطول.

هذه المرة عندما ذهبت للورين كنت أسرع الخطا وأتحدى الرياح الشديدة التي تعوقني كلما تقدمت، كنت ألبس المعطف الثقيل بعدما غسلته لهم، ولكنني اضطررت لارتدائه لأنني لا أملك غيره.

عندما فتحت لورين الصغيرة الباب كنت سعيدة جدا لرؤيتها مرة أخرى، فخلعت المعطف وقلت لها:
شكرا على المعطف.

أخذته مني وهمست:
على الرحب معلمتي.

وضعته على الكرسي ودخلنا إلى غرفة المكتب، وقبل أن أسألها عن الواجب سألتها:
كيف حالك لورين؟

حدقت بي طويلاً، ثم هزت رأسها بقوة وسألت:
عفوا معلمتي، ماذا قلت ؟

: سألتك عن حالك.

: أنا بخير معلمتي، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تسأليني مثل هذا السؤال.
تلعثمت ووضعت وجهي في الكتاب وأنا أتمتم بخجل:
– معذرة يا لورين.

ردت قائلة:
– أنا سعيدة لأنك سألت، وأتمنى أن تسأليني كل مرة.

هززت رأسي ولم أرد، أما هي فكانت مبتسمة طوال الوقت وكأنها تسخر مني، من المؤكد أنني أخطأت بسؤالها عن حالها، فهذا الأمر لا يعنيني وليس من واجبات الدرس، لذلك تعمدت إنهاء الحصة بسرعة حتى أهرب من تلك الابتسامة الطفولية الخبيثة.

عندما وقفت وقفت بدورها وقالت:
– معلمتي، هل لي أن أهديك شيئاً ؟

نظرت لها بارتياب ولم أرد، فقطعت ورقة من كراستها وأمسكت بالقلم وأخذت تكتب، انتظرتها حتى انتهت وسلمتني الورقة قائلة:
– أرجو أن تقرأيها.

أمسكت بالورقة وقرأت
” معلمتي الحبيبة كاميليا، هذا أسعد يوم في حياتي، لقد كنت أخاف منك بشدة، واليوم أدركت كم أنت حنونة ومهتمة لأمري، أنا التي ذقت اليتم ولم أر أبي ولا أمي، شعرت اليوم أنك أم لي”

ابنتك لورين

تسمرت مكاني ولم أعرف بم أجيب، أما هي فأخذت تنظر لي بنفس الابتسامة التي لا أفهمها،

واقتربت مني وحضنتني، ولأنها كانت صغيرة جداً، شعرت لأول مرة أني كبيرة جداً، وأن هناك من قد يحتاج لي.
لمستها بخوف شديد، ومسحت على رأسها بسرعة ثم أبعدتها برفق، فأمسكت بكفي ووضعت قبلة عليه، ثم طارت كفراشة وهي تقفز فرحة وتنادي على جدتها.

في طريق عودتي كنت شاردة الذهن، لم أعبأ بالريح ولا البرد القارس الذي تعودت عليه، وفجأة خطف أحدهم حقيبتي وجرى بعيدا، وقفت مذهولة غير مصدقة، وبداخلي صرخات وصرخات، يا ويلي ستقتلني أمي إن عدت بلا نقود، ماذا أفعل؟ ماذا أقول لها؟ لن تصدقني أبدا أبدا.

جلست على كرسي من الرخام وأجهشت بالبكاء، لا حيلة لي من الأمر، ما الحجة التي سأقدمها لأمي، ستظن أنني طمعت في المال.

أخذت أنظر إلى السماء وهي تفتح أبوابها وأتوسل النجاة من الله، ومع أول قطرات المطر تحسست جيب معطفي وتذكرت أنني لم أضع النقود في الحقيبة بل وضعتها به، أخرجت الظرف ونظرت إلى السماء شاكرة الله، ولكنني قررت هذه المرة أن أفتح الظرف وأعرف المبلغ، لا أفهم السبب، ولكنني عزمت على ذلك وفعلت.

كالعادة وضعت الظرف أمام الأم الصغيرة ودخلت إلى البيت، قابلتني أختي (فيروز) بمجرد دخولي، وسألتها بلهفة:
– هل هناك دجاج اليوم؟

حركت رأسها نافية، فشعرت بالحزن، ولكنني حملت طبقي ودخلت المطبخ، فقامت الطباخة بوضع مغرفتين من العدس وبجوارهم بيضة، وخمسة عناقيد من الجرجير.

تناولت طعامي وحدي، فقد كان الجميع في غرفاتهم منذ ساعة تقريباً، وبعدما انتهيت توجهت إلى الغرفة وكان جميع أخواتي يخيطون الملابس، صعدت إلى سريري وأمسكت بالقطعة الخاصة بي وبدأت أحيكها في صمت قطعته فيروز :
– كاميليا لقد علمت بأمر ما.

نهرتها درية التي كانت في السرير المجاور وقالت:
– لا تطلقي الشائعات.

أجابت بحنق:
– ليست شائعات، إنها حقيقة.
لم يكن لدي أي فضول لأعرف عما يتكلمون، ولكن فيروز أكملت:
– لقد هربت نجاة.
صاحت درية:
– أمي ستقتلك لو عرفت أنك تكلمت بالأمر
ردت فيروز:
– الجميع هنا يتكلم.
درية:
– إنها شائعات، نجاة خرجت للعمل.

فيروز بسخرية:
– أي عمل هذا الذي لم تعد منه منذ الأمس.

وضعت يدي على فمي من هول الصدمة، ولكنني خفت أن تعرف أمي أننا نتحدث في الأمر، فقلت بسرعة لفيروز:
– الأمر لا يعنينا يا فيروز وهي مسألة تخص أمي وحدها.

هرشت فيروز في شعرها بشرود وقالت هامسة:
– ليتني أفعل مثلها، لقد نجت نجاة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.