احتوتها سلة القمامة …. !

احتوتها سلة القمامة .... !

0

احتوتها سلة القمامة …. !

بقلم/ فارس علي حزين

لم تكن عاديةً أبداً، لم تكن مثل جميع بني جنسها اللاتي كان يعرفهن من قبل, لم يكن معها إلا بأجمل ما فيه, برغم أنه كان حاداً, صلداً, صلباً, متحجراً, لا يأبه لمشاعر غيره، وكان يبغض النساء بشدة قبل أن يعرفها، لكن حين عرفها ورآها لأول مرة كاد يشك في نفسه, وبأن ذاك الذي ينبض بداخله الآن قام من مقبرته من جديد بعد أن مات, وأقبره منذ زمن بعيد ومع ذلك ومع كل هذا الكم من الرفات والتراب حوله أصبح ينبض مجدداً بالحياة, فقد سكنتْهُ من اللحظة الأولى, فسكنها, استوطنها, احتل تفاصيل مملكتها, وحده لا غير,.

بعيداً عن أعين البشر ..

” لا زلتِ أذكركِ، لا زلتِ تعيشين بداخلي ، ما زلتُ أراكِ في كل شيء أمامي, الزهور التي زرعتِها والبراعم أزهرت وأينعت وأنبتت بداخلي حتى أصبحت أشجاراً عظيمةً تملأ كل دواخلي , وفراغاتي, وصارت تستوحشني ..

لا زلتُ أرى العالم من خلالك، وأراكِ العالم كله, برغم ما تسببتِ به من انهيارات حضاراتي, وهطول أمطار عيوني, لا زلتُ أنا ذاك الطفل الذي يبحث عنكِ, كالذي يبحث عن حلواه، ويشتاق لأمه وهي بجانبه, فما بالكِ حين غادرتِ غير آبهةِ لحبيبكِ الذي كنتِ تقولين عنه بأنه حبيبكِ الأوحد الذي لم تنجب لكِ الدنيا غيره ولو حتى في أحلامك ..!!

ما بالكِ تريدين ولا تريدين, كما اعتدتكِ, تكرهينني بشدة وتعشقين نسيم طيفي, حنونة وعنيدة قاسيةٌ ورحيمة، جلادةٌ تعذبني وتنعِّمُني في جنانها اليانعة.. !!

ها أنا ذا يا صغيرتي الفريدة، ها أنا كما أنا لم أتغير, لا زلتُ أريدكِ لا زلتُ أفتقدكِ، تُرى هل أنا موجود بداخلكِ الأن مثلما أنتِ موجودة بداخلي ..؟!!.. أم أن كثرة السنوات التي مرت غيرتكِ, وغيرت جُل تفاصيلكِ وجعلت منكِ مسخاً غليظاً يكره حتى اسمي, يا ليتكِ تكرهينني,أو تبتعدين عني, أو تقسين عليَّ لسببٍ أعرفه,..؟!! ….

لم أتخيل أنه قد جاء هذا اليوم سريعاً لتتحول تلك القصة والأسطورة الجميلة التي كانت بيننا إلى مجرد حروف مقروءة, أظن أني في كابوس وليس في الحقيقة..؟!! …

أصبحت كمجنون ليلى بعد أن قطعتْ يده ليلى لأنه كثير التمسك بها ولا يريدها إلا لنفسه، ومن شدة حبه لها تركته يشكو ألمه مُضَّرجاً بدمائه,… ها أنا هنا ما زلتُ أنتظركِ, فهل أنتِ كما كنتِ أم أنكِ أصبحتِ شخصاً آخر لا أعرفه !! .. “

هذا ما كان مكتوباً في تلك الرسالة التي وجدتها أسفل باب منزلها، نظرتْ إليها وقد عرِفت صاحبها, ضغطت عليها بين يديها بشدةٍ, جزت على أسنانها، أغمضت عينيها، هزت رأسها يمنةً ويسرى, وكأنها تريد أن تقاوم صراع قلبها وعقلها المتمرد، قبضت على الرسالة بغلظة وهي تكاد تميَّزُ من الغيظ , قذفتها أسفل قدمها, دهستها, كأنها حشرةٍ جاءت منزلها متسللة، وسط جمهور من الأغراض بمنزلها ينظرون للرسالة في شفقة, لتحتويها سلة القمامة, تموت الكلمات بداخلها, في صمت, كما مات بداخل قلبها مشاعر لم تكن عادية أبداً

Leave A Reply

Your email address will not be published.