أين الماضي        .بقلم / ولاء فرج أسعد

أين الماضي        .بقلم / ولاء فرج أسعد

0

أين الماضي        .بقلم / ولاء فرج أسعد

 

شاهدت مقطع ڤيديو على موقع التواصل الاجتماعي Threads، حيث تظهر به فتاة تسأل والدها ببراءة شديدة عن ماهية المكان الذي تذهب

إليه الأحداث التي مرت بنا وعبرت قائلة “وين راحت“.

 

من الواضح أن هذه الفتاة تعاني من Over Thinking في مثل هذا العمر لأنه سؤال فلسفي عميق جدا، الأمر الذي أحرج الأب – الذي اكتفى بالضحك كإجابة- وجعله يستعين بالجمهور بتصوير هذا المقطع في حل مثل هذا الاستفسار العميق الذي يعتبر إحدى الأسئلة الوجودية التي نتعرض لها يوميا ولا نجد لها إجابة، فنصمت عنها ولا نشغل بالنا بها حتى لا نصاب بالجنون.

 

لا أخفي عليكم سرا فربما أكون انا أيضا مصابة بداء ال Over Thinking فأخذت على عاتقي إيجاد حل لهذا السؤال دون أن يُطلَب مني. وكما يعلم المقربون مني، فأنا أحب قراءة القرآن وتفسيره والفقه الذي يساعدني في تفسير كل شيء تفسيرا دينيا، الأمر الذي يجعلني متهمة دائما بأني “extreme” في تحليل الأمور.

 

دعونا من كل هذا ونبدأ في تحليل الأمر تحليلا شخصيا بحتا. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء وجعل معظم المخلوقات مسخرا لخدمة الإنسان. فالماء والشمس و بخار الماء والرياح مسخرون لخدمة الإنسان لإنزال المطر وسقي الزرع وملء الأنهار؛ كل ذلك من أجل حصول الإنسان على المأكل والمشرب ليحيا حياة صحية.

 

وقد نرى أيضا المعادن الموجودة في باطن الأرض أو في الجبال المسخرة لخدمة الإنسان ليعمِّر بها الأرض. وإذا عددت هذه المخلوقات “المادية” لن يكفيني ملء الشاشات والأوراق بالكلمات والحروف؛ فنعم الله لا تعد ولا تحصى.

 

ولكن إذا فكرنا قليلا فهناك مخلوقات “معنوية” لا ترى بالعين المجردة، وبالرغم من ذلك فهي لا تقل أهمية عن مثيلتها المادية، فنكتفي بإعطائها أسماء وصفاتا دون أن4 نراها أو نلمسها.

 

من ضمن هذه المخلوقات “الماضي”. فالماضي من اسمه له زمان ولكن ليس له مكان. من الممكن استخدام الأشياء المادية أو الأغاني القديمة كي تساعدنا في تذكر هذا الزمان، ولكن إلى الآن لم ينجح أحد في اختراع آلة تأخذنا إلى الزمن الماضي مرة أخرى إلا في أفلام الخيال العلمي Sci – Fi. ولكن الغريب أن هناك مخلوق آخر من مخلوقات الله عز وجل يعتبر حلقة الوصل بين زماننا الحاضر والزمن الماضي ألا وهو “الذاكرة الحسية” بكل أنواعها البصرية والصوتية والشمية واللمسية والذوقية.

 

فكثيرا ما تستمع إلى أغنية لمغنيك المفضل وقلت “يااااااه لقد تذكرت أيام الدراسة الثانوية”. أو شممت رائحة أكلتك المفضلة وأنت طفل فقلت “يااااه لقد تذكرت جدتي رحمها الله“.

 

ليست الذاكرة فقط هي الوسيط بيننا وبين الماضي، بل هناك أيضا “الأحلام” والتي تعتبر من مخلوقات الله العجيبة التي قد تعود من خلالها لزيارة إنسان متوفى أو أحداث قديمة أو أحداث ربما لم تحدث بعد، والتي قد تشعر خلالها أنك في هذا المكان المادي بالفعل.

من الاختراعات المادية الجميلة التي قد تساعدنا على الرجوع للزمن الماضي، هو توثيق الأحداث عن طريق تصويرها بالكاميرا الفوتوغرافية أو الڤيديو. ولكن الغريب أنك عندما ترى الأحداث الماضية على الشاشات، لا تجد نفس الشعور الذي شعرته عن طريق الأحلام أو الذاكرة الحسية. ربما أكون مخطئة ولكن هذا ما أشعر به دائما، خاصة عندما استخدمت إحدى الطرق التكنولوچية في تحريك صور لأناس قد ماتوا Deep Fake، فلا أكذب إن قلت أنني شعرت بالغضب والضيق.

 

فربما يا صغيرتي إنه من رحمة الله أن ما يحدث في الماضي لا يزال في مكان لا يمكننا الرجوع إليه حتى لا نحزن أو نندم وهو الشيء الذي لا يحبه الله. وربما كان “النسيان” وهو أيضا مخلوق سخره الله لنا كي ننسى ما آذانا وهو أيضا من رحمة الله علينا.

إذن فالماضي مصان في مكان نشعر به فقط ولكن لا نعيشه، حتى يكون دافعا لنا لبناء المخلوق الخامس وهو “المستقبل” الذي سوف يتحول إلى “الماضي” بعد فترة من الزمن، وهكذا إلى قيام الساعة

Leave A Reply

Your email address will not be published.