أسعد الله مساء غزة

أسعد الله مساء غزة

0

أسعد الله مساء غزة

بقلم/محمد أحمد محمود

 

 

يغرب القرص المتوهج خلف أسوار وأزقة غزة المكلومة، ملقياً بظلاله الحالكة على حي الشجاعية المدمر.

كان الحي قبل أشهر يضج بالحياة وصخب الأطفال، إلا أن قذائف الاحتلال دكّت بيوته ومنازله، فتحول إلى ركام وأنقاض.

 

أطل المساء على أسوار غزة العتيقة، وتراءت أمام عين خيالي كل معالم هذه المدينة العربية الفلسطينية العريقة

سُمعت آذان العشاء يجوب أنحاء المدينة، مردداُ الله أكبر

 

من بعيد، تباطأ القمر محاولاُ افتراش مكانه في سماء غزة التي طالما كانت مصدر إلهام للشعراء

 

يتسلل الضوء الخافت من بعض الشبابيك والأبواب المحطمة، كاشفاً عن مشاهد الدمار والخراب التي خلفتها آلة الحرب العمياء.

بقايا الأثاث المكسور، والملابس الممزقة، وبعض الدمى والكرات التي كانت ملكاً لأيدٍ بريئة.

 

تتسلل رائحة البارود والحطب المحترق من بين الركام، تختلط بنفحات الزعتر والمريمية التي كانت تملأ حدائق المنازل

فالطبيعة تبدو أكثر رحمة من البشر، إذ ما تزال الورود تنبت بين شظايا القنابل!

 

يُسمع من بعيد زئير طائرة مسيّرة في السماء كطائر نسر مفترس، لكن أهل غزة لم يعودوا يلتفتون لها.

فقد اعتادوا على هدير محركاتها، وتلك اللحظات المميتة بين إطلاقها الصاروخ وارتطامه بالمباني.

 

رغم القصف المتواصل، ما زالت بعض مظاهر الحياة تنبض في شوارع غزة وأحيائها. فهاهم أطفال غزة يركضون خلف كرة قدم مهترئة،

صارخين ومبتهجين في تلقائية، غافلين عما حولهم من موت وخراب.

 

و هناك نساء محجبات يتدثرن بالسواد، تاركات مشاهد الدموع والجثث وراءهنّ، ليعدنّ الطعام كالمعتاد استعداداً لطلب الصغار لبعض الطعام.

 

بين الحين والآخر تمر سيارات الإسعاف على عجل بأبواق صارخة، لتقل كومة جديدة من الشهداء والجرحى إلى أقرب مستشفى

بينما تنتظرهم عائلات بائسة في ردهات الموت.

 

وسط هذا المشهد الكئيب، لا تزال غزة تحافظ على روح التحدي ومقاومة الاحتلال الغاشم، رافعة شعار “حياة أو ممات”

عالياً في وجه ماكينات الاحتلال وآلته الحربية الجبارة.

 

في الساعات الأخيرة من الليل، يتوارى القمر وراء الأفق مطلقاُ سهامه الأخيرة فوق سطوح المدينة وشوارعها، قبل أن يختفي بالكامل، تاركاُ الكون في ظلمة دامسة نابضة بالمجهول.

 

و هكذا يلفظ اليوم آخر أنفاسه فوق غزة الصامدة.. يوم شهد المزيد من الدم والدموع والآلام، لكن إرادة الشعب لم تزل بعد!

 

مساءً آخر يُطل على غزة الحزينة المكلومة، التي تلفظ أنفاسها بشظف العيش وندرة الخيرات بسبب حصار الموت لها من كل جانب

لكن روح أهلها ما تزال صامدة، متيقنة بنصر الله وفرجه القريب.

 

أسعد الله مساءك يا غزة، وأعاد على أهلك الأمن والأمان والرخاء

و غداً ستشرق الشمس مجدداً، ليبدأ فصل جديد من المعاناة والاستشهاد.. إلى أن يحين وقت النصر المبين.

أسعد الله مساء غزة وصباحها

Leave A Reply

Your email address will not be published.