كن … عمر
بقلم حنان الشيمي
كن … عمر
كعادتى كل ليلة أجلس إلى جوار صغاري فى أسِرَتهم أقص عليهم الحكايا حتى يدركهم النوم، وكان موعدنا مع قصة عمر بن الخطاب وحينما انتهيت وظننت أنهم غطوا في نوم عميق قمت أنسل في هدوء والْتَفَتُّ ألقي نظرة على وجوههم فوجدت ولدي عبدالرحمن محملقاً في سقف الحجرة تلمع عيونه بشدة وسألني حين التقت عينى بعينيه ..
(ينفع أكون عمر؟)
ابتسمت بالرغم من دهشتي وربتُّ على جبينه قائلة: ينفع، نم الآن، وهممت بالانصراف فاستوقفني بسؤال آخر: (كيف أصيرعمر؟)
وتذكرت كم مرة تحسرت على حال أمتي وضعفها وهوانها ، وأنا أردد كالجميع: أين أنت الآن ياعمر؟
فدنوت منه قبلته وهمست في أذنه .. كن عمر بطاعتك لله وصلاحك وتقواك .. نم الآن ، وهممت بالمغادرة بينما قفز صغيري مطوقاً عنقي بيديه الصغيرتين قائلاً: أريد أن أعرفه أكثر حتى أكنه.
قفز قلبي فرحاً ووعدته بأن أقص عليه كل ليلة موقف من حياة عمر ، ومرت الأسابيع متتالية وكل ليلة ينبهر ولدي أكثر وأكثر بشخصية عمر وينصت للحكايا وهو مفتون بصاحبها ، يُسقط كل موقف يحدث على عمر.
كبر ولدي قليلاً وصار يحدث الجميع أنه يتمنى أن يكون عمر، وفي يوم دق جرس الباب وكانت سيدة فقيرة نساعدها بمبلغ مالي كل شهر بينما والدة زوجى تفتح لها وتنهال عليها بوابل من السباب والتعنيف لانها تطرق الباب بعنف مما أزعج نومها وفى النهاية طردتها شر طردة بينما يحملق فيها ولدى ويقول لها:
ماذا تفعلين؟
كيف تنهريها هكذا؟
لوكان عمر هنا!!
ويصمت ويمر الموقف ويستمع إلى محادثتي مع أختي عن قريبة لنا عادت من الخليج بالذهب والنقود وأخذنا نتندر كيف كنا نعطيهم ملابسنا القديمة وكيف كانت أمي ترسل إليهم بقايا الطعام و…. و…. وولدى ينظر في دهشة فاغراً فاه ولسان حاله يقول لوكان عمر هنا!! وأنا اتحاشى النظر في عينيه.
وفي يوم ذهبنا إلى رحلة فاتصل زوجي برئيسه في العمل يبلغه أن لديه حالة وفاة ، وينظر إليه عبد الرحمن بلوم وعتاب ، كيف تفعل هذا يا أبي .. لو كان عمر!!
وفي امتحان نهاية العام دخلت المعلمة تغشش الطلاب الإجابات بينما ولدي مصعوقاً كيف للمعلمة أن تغش لو كان…..!!
وهكذا توالت المواقف ويسقط الجميع عمه ، جده ، مدرس فصله ، صاحب السوبر ماركت ، الفكهاني ، …… ؛ سقط الجميع وتدنت أخلاقنا وقيمنا وتدنى معها ولدي ،
حتى كبر وصرت أحمله على الصلاة حملاً ، أحثه على المذاكرة والالتزام وحسن الخلق بينما نظرات اللوم تملأ عينيه ، تقتلني ، تعنفني ؛
وبدأت أبحث ما الذي تغير ، ليس هذا ما كنت أنشده ، وأدركت أننا كنا قدوة سيئة ، فحلم كل أب وأم أن يكون أبناؤهم على خلق ودين وعلم أن يكون مثل أبي بكر في صدقه ، وعمر في عدله ، وعلي في أخلاقه ، وعثمان في حيائه ، ولم نلتمس لأنفسنا شيئاً من تلك الصفات ،
أطلب من ولدي حفظ القرآن ولا أسعى أنا لذلك ، أنتظر منه الورع والطاعة بينما أقضي حياتي بين الكلام والضجر ، أحثه على الشجاعة ولا أحرك ساكناً لنشر الدعوة ،
أأمُرُه بما أضيعه أنا وأقصر فيه وأتساهل نعم لقد كنا قدوة سيئة لجيل صار غثاء كغثاء السيل ، فإن أردنا إصلاح أبنائنا فلنبدأ بأنفسنا حتى يستقيم الحال ،
إن أردت من ولدك أن يكون عمرياً فكن عمر .. كن عمر الذي صنع حضارة بفهمه للقرآن وجعله منهاج حياة ..
كن عمر الذي وافق الوحي رأيه في كثير من الأحداث .. كن عمر الذي أسس منهاجاً لانتخاب خليفة بعد نظام البيعة ..
كن عمر بنظرته الشمولية لحياة المسلم من عبادة وعمل ..
كن عمر الذي كان من أسلحته في الدعوة القدوة الصالحة فكان نوراً يمشي على الأرض.
