“دوامة الندم ” بقلم / سرور بالطيب
على شرفة ذلك المنزل وجدت اصص بها زهور دفنها غبار السنين مما يوحي بأن ذلك المنزل قد هجر … رغم ذلك لم أفقد الأمل صعدت السلم و أنا أدعو الله بأن لا أقع فدرجاته بالية ، تقدمت بخطى مترددة ، تقدمت نحو الباب و ما كدت أطرقه إذ به فتح ، دخلت ناديت لكن ما من مجيب .
احترت ماذا عساني أن أفعل كنت أفكر في المغادرة لكن صوت بداخلي منعني من ذلك ، توجهت للمطبخ ، كان مرتبا كل شيء وضع في مكانه ، لكن ما شد انتباهي هو ذاك الابريق وضع في طبق نحاسي و بجانبه فنجنين و صحن به قطع بسكويت متعفنة ، فهمت أنه كان ينتظر قدومي فأنا قد وعدته لكني كذبت و اخلفت ، كنت أظن أنه سينتظرني .
ذهبت لغرفته لعلي أجده هناك ، ربما هو غاضب مني و لا يريد رؤيتي ، تجولت داخل غرفته كل شيء كما عهدته .
الأوراق مبعثرة فوق مكتبه ربما كان كعادته منغمس في كتابة رواية أو ديوان شعر دفعني حب الإطلاع لأقرأ وجدت أن اغلب كتاباته هي رسائل لي لم يرسلها ، ربما ظن أني لن أجيب أو لا أعلم حقا السبب كنت أقرأ و الدموع تنهمر من عيني ، ربما حنين أو عتاب و لوم ، في لحظتها تذكرت كيف كنت أنانية ، فكرت في نفسي ، في دراستي ، في عملي إلا أبي نسيته ، انشغلت بذاتي و نسيت أبتي، انيتي و وجودي .
حققت أحلامي و لكني لم أكن سعيدة كما ظننت فأبي تركني وحيدة مثلما تركته أنا ، لكني أنا عدت و هو اختفى.
رحل دون توديعي لم يوصيني بنفسي ، لم يشك لي اوجاعي .
كيف يمكنني أن أعيش مع هذا العذاب .
أعرف كيف ، سأسجن نفسي بهذا البيت مثلما فعل هو سأموت وحيدة بلا زوج و لا أطفال و لا عائلة هذا مصيري لن يكون إلا الحزن و الوحدة رفيقا دربي.
سأتخذ من الدعاء ملجأ لعلي أكفر عن ذنبي .
و بينما أنا في تلك الحال سقطت من بين كومة الأوراق ، ورقة ختمت بالأحمر فتحتها قرأت أول الأسطر « كنت أعلم أنك ستعودين ، لقد تعبت صحتي فحملني جاري ” منصور لمستشفى المدينة ” بعد تلك الكلمات أشرقت بشائر قلبي ، أحسست أني حقا محظوظة حملت حقيبتي و أسرعت للمستشفى .
ما أصعب الندم شعور قاتل يدمر فينا كل شعور بالحياة و يسلب منا كل ما هو جميل و ما أبشع الوعود الزائفة تميتنا و توقع بنا في بطشها اللامحدود .
لن أترك أبي ثانية و لن أترك من أحب مهم كلفني فلا شيء يضاهي قيمة الشخص في حياتنا و العمر لحظات لا نعلم نهايتها.