مي محمد علاونة
أَتَظُنُّ أَنَّ الحَيَاةَ مِصبَاحٌ سِحرِيٌّ سَتَجَعَلُكَ مُنفَطِرَ الفُؤادِ تُلقِي نَفسَكَ في أَحضانِ مَن إِحتَضَنَ الغِيابَ، وَتُلوِّحُ لها بِيدِ الخُذلانِ،
أشبعتَ رُوحي بالرحيلِ وَتَستفيقُ روحُكَ الآن للقاءٍ فاتَ آوانهُ، أتعلمُ ماذا يُشبِهُ رُجُوعَنا الآن بعدَ كُلِّ ما مَضى من العُمرِ؟
كَمَريضٍ تَمَّ إِنقاذُهُ لِوهلَةٍ قد ظنُّوا أنَّهُ قد فارقَ الحياةَ؛ لكنَّهُ في اللَّحظَةِ الأخِيرَةِ بِصَدمَةٍ كَهربائِيَّةٍ أعادتهُ خُطوةً لِلخلفِ، قد عاش بَعدها سنواتٍ يَتَحسَّسُ فيها شعورَ النَّجاةِ، تَسبَّبَتَ لي بأذيةٍ بالغةٍ، فخرجتُ أتصدَّقُ فزعةً، ظنَنتُ أنَّ اللهَ لا يُحبُّنِي من فَرطِ الألمِ، أصبحتُ الآن كالرَّمادِ تَتَطَايرُ منِّي الصَّرَخاتُ، الخَيباتُ، الأذى والجروحُ، تتساقطُ من عينَيَّ الذكرياتِ كُلَّما حلَّ الحنينُ،
أُولئِكَ الذَّينَ شَيَّدتُ لهم في فؤادي مقامًا فهدموهُ في حادثةِ ثِقَةٍ، ومضوا فوقَ رُكامي، أصبحتُ قصةً في نهايةٍ مفتوحةٍ، أنتَ هنا في المنتصفِ بين ال “لا ” المتأخرةِ وبين خيبةِ أملٍ عظيمةٍ، هَلُمَّ الآن نجرِّبُ أن نَكتبَ نهايةً سعيدةً، نرسمُ وجهَ الحزنِ على جدارِ قَبالَتِنَا ونهدمُهُ على سبيلِ السَّعادةِ اللانهائيةِ، نمسحُ الغيابَ من مقابضِ الأبوابِ، ونعيدُ جميعَ الرَّاحلينَ إلى هنا ونأخذُ صُورًا لنا، خَيبتي منكَ أشتاقُ لها بعدَ كُلِّ ما مرَّ عليها من غيابٍ، فلتأتِ لأُحِبَّكَ من جديدٍ؛ لأُنجِبَ منكَ خيبةً جديدةً تُراوِدُنِي بها عمرًا بأكملهِ، نحذفُ جميعَ السَّنوَاتِ والأيامِ والأشهرَ الَّتِي مضت ونرسمُ منازلَ بلا أبوابٍ يدخلُ منها الأحبةُ بعدَ الغيابِ بلا أيِّ ثانيةٍ من الانتظارِ، هَلُمَّ إلى هنا نكتبُ قصةً دون نهايةٍ وحضورًا بلا غيابٍ، محبةٌ بلا انطفاءٍ وأملًا بلا خيبةٍ، كيفَ أن الواقعَ قد هانَ تَوقُّعي وأنَّ ذاكرتي قد خَيَّبَت أملي؟ فلا الحزنُ ينتهي ولا الواقعُ يعودُ ولا أنتَ تأتي، تعالَ لآخُذَ منكَ حياتي الَّتي استَحِقُّهَا واكتبُ عنها لَرُبَّما أحيكُ من بين الكلماتِ خاتمةً تليقُ بحكايتنا، رُبَّما سنلتَقي في الدَّقِيقَةِ السَّبعينَ أو اليومِ التَّاسعِ من الأسبوعِ، أو الشَّهرِ الرابعِ عشرَ من السنةِ لَكنَّنَا سَنَلتَقِي .
مي محمد علاونة
