الدستورية تنقذ رشوان توفيق؟
إعداد / محمد الزيدي
للأسف كل اللي عمله الحاج رشوان توفيق من أوله لآخره خطأ حتى وإن كان حسن النوايا.
وربما تكون النتيجة الوحيدة الجيدة لظهور هذه القصة الأسرية الشخصية جدا.. إن الناس تكف عن هذه الظاهرة المنتشرة.. إلا للضرورة القصوى.
فهذا السلوك لا يؤدي في الغالب الأعم إلا لمشاكل أسرية على المدى القصير وقطيعة وخلافات بين الأبناء والأحفاد على المدى الطويل.. ولكن لحسن الحظ الأمور يمكن أن تعود إلى نصابها خاصة بعد حكم صدر من المحكمة الدستورية العليا الشهر الماضي.
حاصل ما فعله رشوان توفيق وفقا لكلام ابنته المذيعة هبة وكذلك حفيده الذي رفع الدعاوى ضده.. هو أنه باع / تنازل / وهب في حياته لزوجته وابنتيه وحفيدته معظم أمواله العقارية.. واعتاد -ككثيرين- أن يجعلهم يبرمون له توكيلا عاما كي يمكنه التصرف في الأشياء الموهوبة وقت الحاجة.
لماذا هذا التوكيل؟
القانون المدني المصري الحالي منذ صدوره عام 1948 كان ينص في المادة 502 فقرة “هـ” على حظر الرجوع في الهبة لذوي الرحم المحرّم عموما.. سواء كانوا آباء أو أبناء أو أجداد أو أعمام أو عمات أو أخوال أو خالات.
الواهبون اعتادوا عمل هذه التوكيلات لصالحهم بعد العقود الصورية ليتمكنوا من العودة فيها.
منذ سنوات.. رجل من بورسعيد فعل تقريبا نفس ما فعله الحاج رشوان.. مع بنتيه أيضا.. بعد وفاة زوجته ترك لهما بعض ممتلكاته ونصيبه من ميراث زوجته.. تقريبا على سبيل الترضية.. ثم تزوج من أخرى ورُزق منها بولدين.
هنا أراد الرجل الرجوع في الهبة لابنتيه.. ربما ارتأى أن الولدين الصغيرين وأمهما يحتاجون ما هو أكثر مما سيتركه ليضمنا مستقبلا كريما.. وربما رغب في ترك ميراثه كاملا ليوزع بالقسمة الشرعية بعد وفاته.. وربما دخل في مشاكل مع الابنتين اللتين رفضتا زواجه من أخرى وفوجئتا على كبَر أن أصبح لهما أخان!
سبحانه.. مقلب القلوب والمشاعر والمصالح حتى بين أقرب الأقربين.
الرجل وجد أن نص قانون المدني سالف الذكر يقف حائلا دون استعادة ممتلكاته.. ولحسن حظه صرحت له المحكمة بالطعن على دستورية النص.. وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما الشهر الماضي بعدم دستورية هذا النص فيما يخص العلاقة بين الوالدين والأبناء فقط.
أي أن الرجوع في الهبة يبقى محظورا كما هو بالنسبة لباقي الرحم المحرّم، عدا ما بين الأب والأم والأبناء.
استند الحكم إلى إن القانون المدني نقل حكم منع الوالد من التراجع في الهبة لأبنائه من الفقه الحنفي، ولو كان لديه عذر يبيح ذلك.
بينما أجاز جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وعلماء المدينة ذلك.
هذا يدل على عدم وجود نص قطعي الثبوت والدلالة في مبادئ الشريعة الإسلامية يحكم هذه المسألة، ومن ثم تعتبر من المسائل الظنية التى يجوز فيها الاجتهاد، وهي بطبيعتها متطورة، تتغير بتغير الزمان والمكان.
المحكمة قالت: إذا كان الاجتهاد فيها حقًا لأهل الاجتهاد، فمن باب أولي يكون هذا الحق لولي الأمر (المشرع)، لينظر في كل مسالة بما يناسبها، في إطار المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، بما تقوم عليه من الحفاظ علي الدين والنفس والعقل العرض والمال.
اعتبرت المحكمة أن “منع الأب من الرجوع في الهبة يجعله في حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيا، إذا أحوجته الظروف لاسترداد ما وهبه لابنه، ورفض الابن إعادة الهبة، إضرارًا به، مستغلًا أن النص المطعون فيه يمنع الأب من الحصول علي حكم قضائي في هذا الشأن، ضاربًا عرض الحائط بالواجب الشرعي والأخلاقي لبر الوالدين، وعدم عقوقهما، والاحسان إليهما وطاعتهما في غير معصية”.
كلام إنساني وأخلاقي جميل ومحترم.
ولكن الحاج رشوان توفيق تخلى عن أملاكه لابنتيه وحفيدته بعقود بيع مسجلة؟!
طالما لم يتقاضى الواهب ثمنا.. فعقد البيع يعتبر هبة مستترة.
محكمة النقض تقول: حصول الهبة تحت ستار عقد آخر ، متى كان العقد الساتر للهبة مستوفياً الشروط المقررة فى القانون، مما مؤداه أن الهبة فى صورة عقد بيع تصح إذا كان العقد جامعاً فى الظاهر لأركان البيع اللازمة لانعقاده.
وسند هذا نص الفقرة الأولى من المادة 488 من القانون المدني: تكون الهبة بورقة رسمية، وإلا وقعت باطلة “ما لم تتم تحت ستار عقد آخر”.
وبالتالي.. يمكن للحاج رشوان أن يقيم دعوى لاسترداد كل أمواله أو بعضها من أي شخص وهبه تلك الأموال.. سواء كان له توكيل أو لا.. مسألة التوكيل شكلية للغاية الآن.
ولكن.. ما وهبه الحاج رشوان إلى زوجته الراحلة في حياتها.. لا يجوز له التصرف فيه على الإطلاق.. والخلط بينه وبين باقي الهبات هو “عك مالي وشرعي وقانوني”.
بمجرد وفاة الزوجة تصبح جميع ممتلكاتها بما فيها ما وهبه الزوج لها.. من ميراثها.. ولا يجوز تقسيمه إلا بالقسمة الشرعية.. فيحصل الزوج على نصيبه فقط حتى وإن كان هو المصدر الأصلي لكل الميراث.
ويؤكد هذا المعنى نص الفقرة “ب” من المادة 502 من القانون المدني: يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا مات أحد طرفي عقد الهبة.
المهم.. وبغض النظر عن هذا المخرج المحتمل لهذه القصة الحزينة.. والمؤسف أكثر أنها خرجت إلى العلن وهُتك فيها ستر العلاقة الأسرية والخصوصية بين أب وبناته وأحفاده وربما تدب بينهم الخصومة للأبد.. خليك ناصح وماتعملش زي الحاج رشوان.